« البقرة : ٢٣٣ » فالمراد بالرزق هو الغذاء الذي يغتذي به الإنسان والكسوة ما يلبسه مما يقيه الحر والبرد ( غير أن لفظ الرزق والكسوة في عرف القرآن كالكسوة والنفقة في لساننا ) كالكناية يكنى بها عن مجموع ما ترتفع به حوائج الإنسان المادية الحيوية فيدخل فيه سائر ما يحتاج إليه الإنسان كالمسكن ونحوه كما أن الأكل ذو معنى خاص بحسب أصله ثم يكنى به عن مطلق التصرفات كقوله : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) الآية.
وأما قوله : « وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً » فإنما هو كلمة أخلاقية يصلح بها أمر الولاية فإن هؤلاء وإن كانوا سفهاء محجورين عن التصرف في أموالهم غير أنهم ليسوا حيوانا أعجم ولا من الأنعام السائمة بل بشر يجب أن يعامل معهم معاملة الإنسان فيكلموا بما يكلم به الإنسان لا بالمنكر من القول ويعاشروا بما يعاشر به الإنسان.
ومن هنا يظهر أن من الممكن أن يكون قوله : ( وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ). كناية عن المعاملة الحسنة والمعاشرة الممدوحة غير المذمومة كما في قوله تعالى : « وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً » : « البقرة : ٨٣ ».
قوله تعالى : « وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ » إلى قوله : « أَمْوالَهُمْ » الابتلاء الامتحان والمراد من بلوغ النكاح بلوغ أوانه ففيه مجاز عقلي والإيناس المشاهدة وفيه شوب من معنى الألفة فإن مادته الأنس ، والرشد خلاف الغي وهو الاهتداء إلى مقاصد الحياة ، ودفع مال اليتيم إليه كناية عن إعطائه إياه وإقباضه له كأن الولي يدفعه إليه ويبعده من نفسه فهو على ابتذاله كناية لطيفة.
وقوله : ( حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ) ، متعلق بقوله : ( وَابْتَلُوا ) ، ففيه دلالة ما على الاستمرار بأن يشرع الولي في ابتلائه من أول ما يأخذ في التمييز ويصلح للابتلاء حتى ينتهي إلى أوان النكاح ويبلغ مبلغ الرجال ، ومن طبع هذا الحكم ذلك فإن إيناس الرشد لا يحصل بابتلاء الصبي في واقعة أو واقعتين بل يجب تكراره إلى أن يحصل الإيناس ويتمشى بالطبع في مدة مديدة حتى يبلغ الرهاق ثم النكاح.
وقوله : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ ) إلخ تفريع على قوله : ( وَابْتَلُوا ) والمعنى : وامتحنوهم فإن آنستم منهم الرشد فادفعوا إليهم أموالهم والكلام يؤذن بأن بلوغ النكاح بمنزلة المقتضي لدفع