المال إلى اليتيم واستقلاله بالتصرف في مال نفسه والرشد شرط لنفوذ التصرف ، وقد فصل الإسلام النظر في أمر البلوغ من الإنسان فاكتفى في أمر العبادات وأمثال الحدود والديات بمجرد السن الشرعي الذي هو سن النكاح واشترط في نفوذ التصرفات المالية والأقارير ونحوها مما تفصيل بيانه في الفقه مع بلوغ النكاح الرشد ، وذلك من لطائف سلوكه في مرحلة التشريع فإن إهمال أمر الرشد وإلغاءه في التصرفات المالية ونحوها مما يختل به نظام الحياة الاجتماعية في قبيل الأيتام ويكون نفوذ تصرفاتهم وأقاريرهم مفضيا إلى غرور الأفراد الفاسدة إياهم وإخراج جميع وسائل الحياة من أيديهم بأدنى وسيلة بالكلمات المزيفة والمواعيد الكاذبة والمعاملات الغررية إلى ذلك فالرشد لا محيص من اشتراطه في هذا النوع من الأمور ، وأما أمثال العبادات فعدم الحاجة فيها إلى الاشتراط ظاهر ، وكذا أمثال الحدود والديات فإن إدراك قبح هذه الجنايات والمعاصي وفهم وجوب الكف عنها لا يحتاج فيه إلى الرشد بل الإنسان يقوى على تفهم ذلك قبله ولا يختلف حاله في ذلك قبل الرشد وبعده.
قوله تعالى : « وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا » اه الإسراف هو التعدي عن الاعتدال في العمل ، والبدار هو المبادرة إلى الشيء وقوله ( وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) في معنى حذر أن يكبروا فلا يدعوكم أن تأكلوا ، وحذف النفي أو ما في معناه قبل أن وأن قياسي على ما ذكره النحاة قال تعالى : ( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) : « النساء : ١٧٦ » أي لئلا تضلوا أو حذر أن تضلوا.
والتقابل الواقع بين الأكل إسرافا والأكل بدارا أن يكبروا يعطي أن الأكل إسرافا هو التعدي إلى أموالهم من غير حاجة ولا شائبة استحقاق بل إجحافا من غير مبالاة والأكل بدارا أن يأكل الولي منها مثل ما يعد أجرة لعمله فيها عادة غير أن اليتيم لو كبر أمكن أن يمنعه عن مثل هذا الأكل فالجميع ممنوع إلا أن يكون الولي فقيرا لا محيص له من أن يشتغل بالاكتساب لسد جوعة أو يعمل لليتيم ويسد حاجته الضرورية من ماله وهذا بالحقيقة يرجع إلى ما يأخذ العامل للتجارة والبناية ونحوهما وهو الذي ذكره بقوله : ( مَنْ كانَ غَنِيًّا ) أي لا يحتاج في معاشه إلى الأخذ من مال اليتيم ( فَلْيَسْتَعْفِفْ ) أي ليطلب طريق العفة وليلزمه فلا يأخذ من أموالهم ( وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ ) منها ( بِالْمَعْرُوفِ ) ، وذكر بعض المفسرين أن المعنى : ( فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) من مال نفسه لا من