(بيان)
قوله تعالى : « يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » الإيصاء والتوصية هو العهد والأمر ، وقال الراغب في مفردات القرآن : الوصية : التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ ، انتهى.
وفي العدول عن لفظ الأبناء إلى الأولاد دلالة على أن حكم السهم والسهمين مخصوص بما ولده الميت بلا واسطة ، وأما أولاد الأولاد فنازلا فحكمهم حكم من يتصلون به فلبنت الابن سهمان ولابن البنت سهم واحد إذا لم يكن هناك من يتقدم على مرتبتهم كما أن الحكم في أولاد الإخوة والأخوات حكم من يتصلون به ، وأما لفظ الابن فلا يقضي بنفي الواسطة كما أن الأب أعم من الوالد.
وأما قوله تعالى في ذيل الآية : « آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً » فسيجيء أن هناك عناية خاصة تستوجب اختيار لفظ الأبناء على الأولاد.
وأما قوله : « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » ففي انتخاب هذا التعبير إشعار بإبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع توريث النساء فكأنه جعل إرث الأنثى مقررا معروفا وأخبر بأن للذكر مثله مرتين أو جعله هو الأصل في التشريع وجعل إرث الذكر محمولا عليه يعرف بالإضافة إليه ، ولو لا ذلك لقال : للأنثى نصف حظ الذكر وإذن لا يفيد هذا المعنى ولا يلتئم السياق معه ـ كما ترى ـ هذا ما ذكره بعض العلماء ولا بأس به ، وربما أيد ذلك بأن الآية لا تتعرض بنحو التصريح مستقلا إلا لسهام النساء وإن صرحت بشيء من سهام الرجال فمع ذكر سهامهن معه كما في الآية التالية والآية التي في آخر السورة.
وبالجملة قوله : ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) في محل التفسير لقوله : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) ، واللام في الذكر والأنثيين لتعريف الجنس أي إن جنس الذكر يعادل في السهم أنثيين ، وهذا إنما يكون إذا كان هناك في الوراث ذكر وأنثى معا فللذكر ضعفا الأنثى سهما ولم يقل : للذكر مثل حظي الأنثى أو مثلا حظ الأنثى ليدل الكلام على سهم الأنثيين إذا انفردتا بإيثار الإيجاز على ما سيجيء.