وهكذا ، وليس إلا أن العوارض والطواري المذكورة من لوازم النظام الدنيوي دون مطلق النظام الأعم منه ومن النظام الأخروي ، فالدنيا دار التزاحم والتمانع دون الآخرة.
ومما يدل عليه أن الذي نجده في ظرف مشاهدتنا من الحوادث الواقعة يغيب عنا إذا شاهدنا غيره ثانيا كحوادث الأمس وحوادث اليوم ، والليل والنهار وغير ذلك ، وأما الله سبحانه فلا يغيب عنه هذا الذي نشاهده أولا ويغيب عنا ثانيا ولا الذي نجده بعده ولا مزاحمة بينهما ، فالليل والنهار وكذا الحوادث المقارنة لهما متزاحمات متمانعات بحسب نظام المادة والحركة ، وهي بعينها لا تتزاحم ولا تتمانع بحسب نظام آخر ، ويستفاد ذلك من قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً ) : « الفرقان : ـ ٤٦ ».
وإذا أمكن ذلك في مثل الليل والنهار وهما متزاحمان جاز في السماوات والأرض أن تسع ما يساويهما سعة ، وتسع مع ذلك شيئا آخر يساويه مقدارا كالجنة والنار مثلا لكن لا بحسب نظام هذه الدار بل بحسب نظام الآخرة ، ولهذا نظائر في الأخبار كما ورد : أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، وما ورد : أن المؤمن يوسع له في قبره مد بصره.
فعلى هذا ينبغي أن يحمل قوله صلىاللهعليهوآله : سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل؟ لظهور أن لو كان المراد أن الله سبحانه لا يجهل الليل إذا علم بالنهار لم يرتبط بالسؤال ، وكذا لو كان المراد أن الليل يبقى في الخارج مع مجيء النهار اعترض عليه السائل بأن الليل يبطل مع وجود النهار إذا قيسا إلى محل واحد من مناطق الأرض ، وإن اعتبرا من حيث نفسهما فالليل بحسب الحقيقة ظل مخروط حادث من إنارة الشمس ، وهو يدور حول الكرة الأرضية بحسب الحركة اليومية فالليل والنهار سائران حول الأرض دائما من غير بطلان ولا عينيه.
وللرواية نظائر بين الروايات كما ورد في تفسير قوله تعالى : ( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) ، : الأنفال ـ ٣٧ من قوله عليهالسلام : إذا غابت الشمس فأين يصير هذا الشعاع المنبسط على الأرض؟ الحديث ، وسيجيء البحث عنها.
وفي الدر المنثور ، : في قوله تعالى : ( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ) الآية :