لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) : « الإسراء : ٧٥ ».
وثالثا : أن هذا الترخيص المنسوب إلى النبي صلىاللهعليهوآله مرة بعد مرة إن كان ترخيصا من غير تشريع للحل ، والفرض كون المتعة زنا وفاحشة كان ذلك مخالفة صريحة منه صلىاللهعليهوآله لربه لو كان من عند نفسه ، وهو معصوم بعصمة الله تعالى ، ولو كان من عند ربه كان ذلك أمرا منه تعالى بالفحشاء ، وقد رده تعالى بصريح قوله خطابا لنبيه : ( قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ) الآية : « الأعراف : ٢٨ ».
وإن كان ترخيصا مع تشريع للحل لم تكن زنا وفاحشة فإنها سنة مشروعة محدودة بحدود محكمة لا تجامع الطبقات المحرمة كالنكاح الدائم ومعها فريضة المهر كالنكاح الدائم ، والعدة المانعة عن اختلاط المياه واختلال الأنساب ، ومعها ضرورة حاجة الناس إليها فما معنى كونها فاحشة وليست الفاحشة إلا العمل المنكر الذي يستقبحه المجتمع لخلاعته من الحدود وإخلاله بالمصلحة العامة ومنعه عن القيام بحاجة المجتمع الضرورية في حياتهم.
ورابعا : أن القول بكون التمتع من أنواع الزنا الدائرة في الجاهلية اختلاق في التاريخ ، واصطناع لا يرجع إلى مدرك تاريخي ، إذ لا عين منه في كتب التاريخ ولا أثر بل هو سنة مبتكرة إسلامية وتسهيل من الله تعالى على هذه الأمة لإقامة أودهم ، ووقايتهم من انتشار الزنا وسائر الفواحش بينهم لو أنهم كانوا وفقوا لإقامة هذه السنة وإذا لم تكن الحكومات الإسلامية تغمض في أمر الزنا وسائر الفواحش هذا الإغماض الذي ألحقها تدريجا بالسنن القانونية ، وامتلأت بها الدنيا فسادا ووبالا.
وأما قوله : « وكلتا الفاحشتين كانتا فاشيتين في الجاهلية ، ولكن فشو الزنا كان في الإماء دون الحرائر » ظاهرة أن مراده بالفاحشتين الزنا وشرب الخمر ، وهو كذلك إلا أن كون الزنا فاشيا في الإماء دون الحرائر مما لا أصل له يركن إليه فإن الشواهد التاريخية المختلفة المتفرقة تؤيد خلاف ذلك كالأشعار التي قيلت في ذلك ، وقد تقدم في رواية ابن عباس أن أهل الجاهلية لم تكن ترى بالزنا بأسا إذا لم يكن علينا.