سيئات المؤمنين قبل نزول الآية اختصت الآية بأشخاص من حضر عند النزول ، وهو خلاف ظاهر الآية من العموم ، ولو عمت الآية عاد المعنى إلى أنكم إن عزمتم على اجتناب جميع المعاصي واجتنبتموها كفرنا عنكم سيئاتكم السابقة عليه ، وهذا أمر نادر شاذ المصداق أو عديمه لا يحمل عليه عموم الآية لأن نوع الإنسان لا يخلو عن السيئة واللمم إلا من عصمه الله بعصمته فافهم ذلك.
ومنها : أن الصغيرة ما نقص عقابه عن ثواب صاحبه ، والكبيرة ما يكبر عقابه عن ثوابه ، نسب إلى المعتزلة وفيه أن ذلك أمر لا يدل عليه هذه الآية ولا غيرها من آيات القرآن ، نعم من الثابت بالقرآن وجود الحبط في بعض المعاصي في الجملة لا في جميعها سواء كان على وفق ما ذكروه أو لا على وفقه ، وقد مر البحث عن معنى الحبط مستوفى في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
وقالوا أيضا : يجب تكفير السيئات والصغائر عند اجتناب الكبائر ولا تحسن المؤاخذة عليها ، وهذا أيضا أمر لا تدل الآية عليه البتة.
ومنها : أن الكبر والصغر اعتباران يعرضان لكل معصية ، فالمعصية التي يقترفها الإنسان استهانة بأمر الربوبية واستهزاء أو عدم مبالاة به كبيرة ، وهي بعينها لو اقترفت من جهة استشاطة غضب أو غلبة جبن أو ثورة شهوة كانت صغيرة مغفورة بشرط اجتناب الكبائر.
ولما كان هذه العناوين الطارية المذكورة يجمعها العناد والاعتداء على الله أمكن أن يلخص الكلام بأن كل واحدة من المعاصي المنهي عنها في الدين إن أتي بها عنادا واعتداء فهي كبيرة وإلا فهي صغيرة مغفورة بشرط اجتناب العناد والاعتداء.
قال بعضهم : إن في كل سيئة وفي كل نهي خاطب الله به كبيرة أو كبائر وصغيرة أو صغائر ، وأكبر الكبائر في كل ذنب عدم المبالاة بالنهي والأمر واحترام التكليف ، ومنه الإصرار فإن المصر على الذنب لا يكون محترما ولا مباليا بالأمر والنهي فالله تعالى يقول : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) أي الكبائر التي يتضمنها كل شيء تنهون عنه ( نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) أي نكفر عنكم صغيره فلا نؤاخذكم عليه.
وفيه : أن استلزام اقتران كل معصية مقترفة بما يوجب كونها طغيانا واستعلاء