على الله سبحانه صيرورتها معصية كبيرة لا يوجب كون الكبر دائرا مدار هذا الاعتبار حتى لا يكون بعض المعاصي كبيرة في نفسها مع عدم عروض شيء من هذه العناوين عليه ، فإن زنا المحارم بالنسبة إلى النظر إلى الأجنبية وقتل النفس المحرمة ظلما بالنسبة إلى الضرب كبيرتان عرض لهما عارض من العناوين أم لم يعرض ، نعم كلما عرض شيء من هذه العناوين المهلكة اشتد النهي بحسبه وكبرت المعصية وعظم الذنب فما الزنا عن هوى النفس وغلبة الشهوة والجهالة كالزنا بالاستباحة.
على أن هذا المعنى ( أن تجتنبوا في كل معصية كبائرها نكفر عنكم صغائرها ) معنى رديء لا يحتمله قوله تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) الآية بحسب ما لها من السياق على ما لا يخفى لكل من استأنس قليل استيناس بأساليب الكلام.
ومنها : ما يتراءى من ظاهر كلام الغزالي على ما نقل عنه (١) من الجمع بين الأقوال وهو أن بين المعاصي بقياس بعضها إلى بعض كبيرة وصغيرة كزنا المحصنة من المحارم بالنسبة إلى النظر إلى الأجنبية وإن كانت بعض المعاصي يكبر بانطباق بعض العناوين المهلكة الموبقة عليه كالإصرار على الصغائر ، فبذلك تصير المعصية كبيرة بعد ما لم تكن.
فبهذا يظهر أن المعاصي تنقسم إلى صغيرة وكبيرة بحسب قياس البعض إلى البعض بالنظر إلى نفس العمل وجرم الفعل ، ثم هي مع ذلك تنقسم إلى القسمين بالنظر إلى أثر الذنب ووباله في إحباطه للثواب بغلبته عليه أو نقصه منه إذا لم يغلبه فيزول الذنب بزوال مقدار يعادله من الثواب فإن لكل طاعة تأثيرا حسنا في النفس يوجب رفعه مقامها وتخلصها من قذارة البعد وظلمة الجهل كما أن لكل معصية تأثيرا سيئا فيها يوجب خلاف ذلك من انحطاط محلها وسقوطها في هاوية البعد وظلمة الجهل.
فإذا اقترف الإنسان شيئا من المعاصي وقد هيأ لنفسه شيئا من النور والصفاء بالطاعة فلا بد من أن يتصادم ظلمة المعصية ونور الطاعة فإن غلبت ظلمة المعصية ووبال الذنب نور الطاعة وظهرت عليه أحبطته ، وهذه هي المعصية الكبيرة ، وإن غلبت الطاعة بما لها من النور والصفاء أزالت ظلمة الجهل وقذارة الذنب ببطلان مقدار
__________________
(١) نقله الفخر الرازي في تفسيره عن الغزالي في منتخبات كتاب الإحياء.