يعادل ظلمة الذنب من نور الطاعة ، ويبقى الباقي من نورها وصفائها تتنور وتصفو به النفس ، وهذا معنى التحابط ، وهو بعينه معنى غفران الذنوب الصغيرة وتكفير السيئات ، وهذا النوع من المعاصي هي المعاصي الصغيرة.
وأما تكافؤ السيئة والحسنة بما لهما من العقاب والثواب فهو وإن كان مما يحتمله العقل في بادي النظر ، ولازمه صحة فرض إنسان أعزل لا طاعة له ولا معصية ، ولا نور لنفسه ولا ظلمة لكن يبطله قوله تعالى : « فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ». انتهى ملخصا.
وقد رده الرازي بأنه يبتني على أصول المعتزلة الباطلة عندنا ، وشدد النكير على الرازي في المنار قائلا :
وإذا كان هذا ( يعني انقسام المعصية إلى الصغيرة والكبيرة في نفسها ) صريحا في القرآن فهل يعقل أن يصح عن ابن عباس إنكاره؟ لا بل روى عبد الرزاق عنه أنه قيل له : هل الكبائر سبع؟ فقال : هي إلى السبعين أقرب ، وروى ابن جبير :
أنه قال : هي إلى السبعمائة أقرب ، وإنما عزي القول بإنكار تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر إلى الأشعرية.
وكأن القائلين بذلك منهم أرادوا أن يخالفوا به المعتزلة ولو بالتأويل كما يعلم من كلام ابن فورك فإنه صحح كلام الأشعرية وقال : معاصي الله كلها كبائر ، وإنما يقال لبعضها : صغيرة وكبيرة بإضافة (١) ، وقالت المعتزلة : الذنوب على ضربين : صغائر وكبائر ، وهذا ليس بصحيح انتهى ، وأول الآية تأويلا بعيدا.
وهل يئول الآيات والأحاديث لأجل أن يخالف المعتزلة ولو فيما أصابوا فيه؟ لا يبعد ذلك فإن التعصب للمذاهب هو الذي صرف كثيرا من العلماء الأزكياء عن إفادة أنفسهم وأمتهم بفطنتهم ، وجعل كتبهم فتنة للمسلمين اشتغلوا بالجدل فيها عن حقيقة الدين ، وسترى ما ينقله الرازي عن الغزالي ، ويرده لأجل ذلك ، وأين الرازي من الغزالي ، وأين معاوية من علي. انتهى. ويشير في آخر كلامه إلى ما نقلناه عن الغزالي والرازي.
__________________
(١) أي الإضافة بحسب قصود المعاصي المختلفة لا إضافة بعض المعاصي إلى بعضها في نفسها.