والطاغوت مصدر في الأصل كالطغيان يستعمل كثيرا بمعنى الفاعل ، وقيل : هو كل معبود من دون الله ، والآية تكشف عن وقوع واقعة قضى فيها بعض أهل الكتاب للذين كفروا على الذين آمنوا بأن سبيل المشركين أهدى من سبيل المؤمنين ، وليس عند المؤمنين إلا دين التوحيد المنزل في القرآن المصدق لما عندهم ، ولا عند المشركين إلا الإيمان بالجبت والطاغوت فهذا القضاء اعتراف منهم بأن للمشركين نصيبا من الحق ، وهو الإيمان بالجبت والطاغوت الذي نسبه الله تعالى إليهم ثم لعنهم الله بقوله : ( أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ ) الآية.
وهذا يؤيد ما ورد في أسباب النزول أن مشركي مكة طلبوا من أهل الكتاب أن يحكموا بينهم وبين المؤمنين فيما ينتحلونه من الدين فقضوا لهم على المؤمنين ، وسيأتي الرواية في ذلك في البحث الروائي الآتي.
وقد ذكر كونهم ذوي نصيب من الكتاب ليكون أوقع في وقوع الذم واللوم عليهم فإن إيمان علماء الكتاب بالجبت والطاغوت وقد بين لهم الكتاب أمرهما أشنع وأفظع.
قوله تعالى : « أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ » إلى قوله : « نَقِيراً » النقير فعيل بمعنى المفعول وهو المقدار اليسير الذي يأخذه الطير من الأرض بنقر منقاره ، وقد مر له معنى آخر في قوله : ( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) الآية.
وقد ذكروا أن « أَمْ » في قوله : ( أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ ) ، منقطعة والمعنى : بل ألهم نصيب من الملك ، والاستفهام إنكاري أي ليس لهم ذلك.
وقد جوز بعضهم أن تكون « أم » متصلة ، وقال : إن التقدير : أهم أولى بالنبوة أم لهم نصيب من الملك؟ ورد بأن حذف الهمزة إنما يجوز في ضرورة الشعر ، ولا ضرورة في القرآن ، والظاهر أن أم متصلة وأن الشق المحذوف ما يدل عليه الآية السابقة : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) الآية ، والتقدير : ألهم كل ما حكموا به من حكم أم لهم نصيب من الملك أم يحسدون الناس؟ وعلى هذا تستقيم الشقوق وتترتب ، ويتصل الكلام في سوقه.
والمراد بالملك هو السلطنة على الأمور المادية والمعنوية فيشمل ملك النبوة والولاية والهداية وملك الرقاب والثروة ، وذلك أنه هو الظاهر من سياق الجمل السابقة واللاحقة فإن الآية السابقة تومئ إلى دعواهم أنهم يملكون القضاء والحكم على المؤمنين ، وهو