فضله ويمدح نفسه بل هو مما يختص به تعالى فإن ظاهر الآية أن الله يختص به أن يزكي كل من جاز أن يتلبس بالتزكية فليس لغير صاحب الفضل أيضا أن يزكيه إلا بما زكاه الله به ، وينتج ذلك أن الفضائل هي التي مدحها الله وزكاها فلا قدر لفضل لا يعرفه الدين ولا يسميه فضلا ، ولا يستلزم ذلك أن تبطل آثار الفضائل عند الناس فلا يعرفوا لصاحب الفضل فضله ، ولا يعظموا قدره بل هي شعائر الله وعلائمه ، وقد قال تعالى : ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) : « الحج : ٣٢ » ، فعلى الجاهل أن يخضع للعالم ويعرف له قدره فإنه من اتباع الحق وقد قال تعالى : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) : « الزمر : ٩ » ، وإن لم يكن للعالم أن يتبجح بعلمه ويمدح نفسه ، والأمر في جميع الفضائل الحقيقية الإنسانية على هذا الحال.
وثانيهما : أن ما ذكره بعض باحثينا ، واتبعوا في ذلك ما ذكره المغاربة أن من الفضائل الإنسانية الاعتماد بالنفس أمر لا يعرفه الدين ، ولا يوافق مذاق القرآن ، والذي يراه القرآن في ذلك هو الاعتماد بالله والتعزز بالله قال تعالى : ( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) : « آل عمران : ١٧٣ » ، وقال : ( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) : « البقرة : ١٦٥ » ، وقال : ( إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) : « يونس : ٦٥ » ، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى : « انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ » ، إلخ فتزكيتهم أنفسهم ببنوة الله وحبه وولايته ونحو ذلك افتراء على الله إذ لم يجعل الله لهم ذلك ، على أن أصل التزكية افتراء وإن كانت عن صدق فإنه ـ كما تقدم بيانه ـ إسناد شريك إلى الله وليس له في ملكه شريك قال تعالى : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) : « الإسراء : ١١١ ».
وقوله : ( وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً ) أي لو لم يكن في التزكية إلا أنه افتراء على الله لكفى في كونه إثما مبينا ، والتعبير بالإثم وهو الفعل المذموم الذي يمنع الإنسان من نيل الخيرات ويبطئها ـ هو المناسب لهذه المعصية لكونه من إشراك الشرك وفروعه ، يمنع نزول الرحمة ، وكذا في شرك الكفر الذي يمنع المغفرة كما وقع في الآية السابقة : ( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً ) بعد قوله : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ).
قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ » ، الجبت والجبس كل ما لا خير فيه ، وقيل : وكل ما يعبد من دون الله سبحانه ،