فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ـ ٦٩. ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً ـ ٧٠. )
(بيان)
الآيات ـ كما ترى ـ غير عادمة الارتباط بما تقدمها من الآيات فإن آيات السورة آخذة من قوله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) ، كأنها مسوقة لترغيب الناس في الإنفاق في سبيل الله ، وإقامة صلب طبقات المجتمع وأرباب الحوائج من المؤمنين وذم الذين يصدون الناس عن القيام بهذا المشروع الواجب ، ثم الحث على إطاعة الله وإطاعة الرسول وأولي الأمر ، وقطع منابت الاختلاف والتجنب عن التشاجر والتنازع ، وإرجاعه إلى الله ورسوله لو اتفق ، والتحرز عن النفاق ، ولزوم التسليم لأوامر الله ورسوله وهكذا إلى أن تنتهي إلى الآيات النادبة إلى الجهاد المبينة لحكمه أو الآمرة بالنفر في سبيل الله ، فجميع هذه الآيات مجهزة للمؤمنين للجهاد في سبيل الله ، ومنظمة لنظام أمورهم في داخلهم ، وربما تخللها آية أو آيتان بمنزلة الاعتراض في الكلام لا يخل باتصال الكلام كما تقدم الإيماء إليه في قوله تعالى : « ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) نساء : ٤٣.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » لما فرغ من الندب إلى عبادة الله وحده لا شريك له وبث الإحسان بين طبقات المؤمنين وذم من يعيب هذا الطريق المحمود أو صد عنه صدودا عاد إلى أصل المقصود بلسان آخر يتفرع عليه فروع أخر ، بها يستحكم أساس المجتمع الإسلامي وهو التحضيض والترغيب في أخذهم بالائتلاف والاتفاق ، ورفع كل تنازع واقع بالرد إلى الله ورسوله.
ولا ينبغي أن يرتاب في أن قوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) ، جملة سيقت تمهيدا وتوطئة للأمر برد الأمر إلى الله ورسوله عند ظهور التنازع ، وإن كان مضمون الجملة أساس جميع الشرائع والأحكام الإلهية.
فإن ذلك ظاهر تفريع قوله : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) ،