ثم العود بعد العود إلى هذا المعنى بقوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ) إلخ ، وقوله : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) إلخ ، وقوله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) إلخ.
ولا ينبغي أن يرتاب في أن الله سبحانه لا يريد بإطاعته إلا إطاعته في ما يوحيه إلينا من طريق رسوله من المعارف والشرائع ، وأما رسوله صلىاللهعليهوآله فله حيثيتان : إحداهما : حيثية التشريع بما يوحيه إليه ربه من غير كتاب ، وهو ما يبينه للناس من تفاصيل ما يشتمل على إجماله الكتاب وما يتعلق ويرتبط بها كما قال تعالى : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) : ـ النحل ٤٤ ، والثانية : ما يراه من صواب الرأي وهو الذي يرتبط بولايته الحكومة والقضاء قال تعالى : ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) : ـ النساء ١٠٥ ، وهذا هو الرأي الذي كان يحكم به على ظواهر قوانين القضاء بين الناس ، وهو الذي كان صلىاللهعليهوآله يحكم به في عزائم الأمور ، وكان الله سبحانه أمره في اتخاذ الرأي بالمشاورة فقال : « وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ » آل عمران ١٥٩ ، فأشركهم به في المشاورة ووحده في العزم.
إذا عرفت هذا علمت أن لإطاعة الرسول معنى ولإطاعة الله سبحانه معنى آخر وإن كان إطاعة الرسول إطاعة لله بالحقيقة لأن الله هو المشرع لوجوب إطاعته كما قال : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ » فعلى الناس أن يطيعوا الرسول فيما يبينه بالوحي ، وفيما يراه من الرأي.
وهذا المعنى ( والله أعلم ) هو الموجب لتكرار الأمر بالطاعة في قوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) ، لا ما ذكره المفسرون : أن التكرار للتأكيد فإن القصد لو كان متعلقا بالتأكيد كان ترك التكرار كما لو قيل : وأطيعوا الله والرسول أدل عليه وأقرب منه فإنه كان يفيد أن إطاعة الرسول عين إطاعة الله سبحانه وأن الإطاعتين واحدة ، وما كل تكرار يفيد التأكيد.
وأما أولوا الأمر فهم ـ كائنين من كانوا ـ لا نصيب لهم من الوحي ، وإنما شأنهم الرأي الذي يستصوبونه فلهم افتراض الطاعة نظير ما للرسول في رأيهم وقولهم ، ولذلك لما ذكر وجوب الرد والتسليم عند المشاجرة لم يذكرهم بل خص الله والرسول فقال : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، وذلك أن المخاطبين بهذا الرد هم المؤمنون المخاطبون بقوله في صدر الآية : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ