آمَنُوا ) ، والتنازع تنازعهم بلا ريب ، ولا يجوز أن يفرض تنازعهم مع أولي الأمر مع افتراض طاعتهم بل هذا التنازع هو ما يقع بين المؤمنين أنفسهم ، وليس في أمر الرأي بل من حيث حكم الله في القضية المتنازع فيها بقرينة الآيات التالية الذامة لمن يرجع إلى حكم الطاغوت دون حكم الله ورسوله ، وهذا الحكم يجب الرجوع فيه إلى أحكام الدين المبينة المقررة في الكتاب والسنة ، والكتاب والسنة حجتان قاطعتان في الأمر لمن يسعه فهم الحكم منهما ، وقول أولي الأمر في أن الكتاب والسنة يحكمان بكذا أيضا حجة قاطعة فإن الآية تقرر افتراض الطاعة من غير أي قيد أو شرط ، والجميع راجع بالآخرة إلى الكتاب والسنة.
ومن هنا يظهر أن ليس لأولي الأمر هؤلاء ـ كائنين من كانوا ـ أن يضعوا حكما جديدا ، ولا أن ينسخوا حكما ثابتا في الكتاب والسنة ، وإلا لم يكن لوجوب إرجاع موارد التنازع إلى الكتاب والسنة والرد إلى الله والرسول معنى على ما يدل عليه قوله : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) : ـ الأحزاب ٣٦ ، فقضاء الله هو التشريع وقضاء رسوله إما ذلك وإما الأعم ، وإنما الذي لهم أن يروا رأيهم في موارد نفوذ الولاية ، وأن يكشفوا عن حكم الله ورسوله في القضايا والموضوعات العامة.
وبالجملة لما لم يكن لأولي الأمر هؤلاء خيرة في الشرائع ، ولا عندهم إلا ما لله ورسوله من الحكم أعني الكتاب والسنة لم يذكرهم الله سبحانه ثانيا عند ذكر الرد بقوله : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) ، فلله تعالى إطاعة واحدة ، وللرسول وأولي الأمر إطاعة واحدة ، ولذلك قال : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ).
ولا ينبغي أن يرتاب في أن هذه الإطاعة المأمور بها في قوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) ، إطاعة مطلقة غير مشروطة بشرط ، ولا مقيدة بقيد وهو الدليل على أن الرسول لا يأمر بشيء ، ولا ينهى عن شيء يخالف حكم الله في الواقعة وإلا كان فرض طاعته تناقضا منه تعالى وتقدس ولا يتم ذلك إلا بعصمة فيه صلىاللهعليهوآله.
وهذا الكلام بعينه جار في أولي الأمر غير أن وجود قوة العصمة في الرسول لما قامت عليه الحجج من جهة العقل والنقل في حد نفسه من غير جهة هذه الآية دون أولي