أما أولا فلأن فرض طاعة أولي الأمر كائنين من كانوا لا يدل على فضل ومزية لهم على غيرهم أصلا كما أن طاعة الجبابرة والظلام واجبة علينا في حال الاضطرار اتقاء من شرهم ، ولن يكونوا بذلك أفضل منا عند الله سبحانه.
وأما ثانيا فلأن الحكم المذكور في الآية لا يزيد على سائر الأحكام التي تتوقف فعليتها على تحقق موضوعاتها نظير وجوب الإنفاق على الفقير وحرمة إعانة الظالم فليس يجب علينا أن نوجد فقيرا حتى ننفق عليه أو ظالما حتى لا نعينه.
والوجهان اللذان ذكرهما ظاهرا الفساد ، مضافا إلى أن هذا القائل قدر أن المراد بأولي الأمر في الآية الحكام والسلاطين وقد تبين فساد هذا الاحتمال.
أما الوجه الأول فلأنه غفل عن أن القرآن مملوء من النهي عن طاعة الظالمين والمسرفين والكافرين ، ومن المحال أن يأمر الله مع ذلك بطاعتهم ثم يزيد على ذلك فيقرن طاعتهم بطاعة نفسه ورسوله ، ولو فرض كون هذه الطاعة طاعة تقية لعبر عنها بإذن ونحو ذلك كما قال تعالى : ( إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) : « آل عمران : ٢٨ » ، لا بالأمر بطاعتهم صريحا حتى يستلزم كل محذور شنيع.
وأما الوجه الثاني فهو مبني على الوجه الأول من معنى الآية أما لو فرض افتراض طاعتهم لكونهم ذا شأن في الدين كانوا معصومين لما تقدم تفصيلا ، ومحال أن يأمر الله بطاعة من لا مصداق له ، أو له مصداق اتفاقي في آية تتضمن أس أساس المصالح الدينية وحكما لا يستقيم بدونه حال المجتمع الإسلامي أصلا ، وقد عرفت أن الحاجة إلى أولي الأمر عين الحاجة إلى الرسول وهي الحاجة إلى ولاية أمر الأمة وقد تكلمنا فيه في بحث المحكم والمتشابه.
ولنرجع إلى أول الكلام في الآية :
ظهر لك من جميع ما قدمناه أن لا معنى لحمل قوله تعالى : « وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » على جماعة المجمعين من أهل الحل والعقد ، وهي الهيئة الاجتماعية بأي معنى من المعاني فسرناه فليس إلا أن المراد بأولي الأمر آحاد من الأمة معصومون في أقوالهم مفترض طاعتهم فتحتاج معرفتهم إلى تنصيص من جانب الله سبحانه من كلامه أو بلسان نبيه فينطبق على ما روي من طرق أئمة أهل البيت عليهالسلام أنهم هم.