في شيء ليس لأولي الأمر الاستقلال والاستبداد فيه من أوامرهم في دائرة ولايتهم كأمرهم بنفر أو حرب أو صلح أو غير ذلك ، إذ لا معنى لإيجاب الرد إلى الله والرسول في هذه الموارد مع فرض طاعتهم فيها.
فالآية تدل على وجوب الرد في نفس الأحكام الدينية التي ليس لأحد أن يحكم فيها بإنفاذ أو نسخ إلا الله ورسوله ، والآية كالصريح في أنه ليس لأحد أن يتصرف في حكم ديني شرعه الله ورسوله ، وأولو الأمر ومن دونهم في ذلك سواء.
وقوله : ( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ، تشديد في الحكم وإشارة إلى أن مخالفته إنما تنتشئ من فساد في مرحلة الإيمان فالحكم يرتبط به ارتباطا فالمخالفة تكشف عن التظاهر بصفة الإيمان بالله ورسوله ، واستبطان للكفر ، وهو النفاق كما يدل عليه الآيات التالية.
وقوله : ( ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) أي الرد عند التنازع أو إطاعة الله ورسوله وأولي الأمر ، والتأويل هو المصلحة الواقعية التي تنشأ منها الحكم ثم تترتب على العمل وقد تقدم البحث عن معناه في ذيل قوله تعالى : ( وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ ) الآية : « آل عمران : ٧ » في الجزء الثالث من الكتاب.
قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » إلى آخر الآية الزعم هو الاعتقاد بكذا سواء طابق الواقع أم لا ، بخلاف العلم فإنه الاعتقاد المطابق للواقع ، ولكون الزعم يستعمل في الاعتقاد في موارد لا يطابق الواقع ربما يظن أن عدم مطابقة الواقع مأخوذ في مفهومه وليس كذلك ، والطاغوت مصدر بمعنى الطغيان كالرهبوت والجبروت والملكوت غير أنه ربما يطلق ويراد به اسم الفاعل مبالغة يقال : طغى الماء إذا تعدى ظرفه لوفوره وكثرته ، وكان استعماله في الإنسان أولا على نحو الاستعارة ثم ابتذل فلحق بالحقيقة وهو خروج الإنسان عن طوره الذي حده له العقل أو الشرع ، فالطاغوت هو الظالم الجبار ، والمتمرد عن وظائف عبودية الله استعلاء عليه تعالى وهكذا ، وإليه يعود ما قيل : إن الطاغوت كل معبود من دون الله.
وقوله : ( بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) ، بمنزلة أن يقال : بما أنزل الله على رسله ، ولم يقل : آمنوا بك وبالذين من قبلك لأن الكلام في وجوب الرد إلى كتاب الله وحكمه وبذلك يظهر أن المراد بقوله : « وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ » الأمر في الكتب السماوية