والوحي النازل على الأنبياء : محمد ومن قبله صلىاللهعليهوآله.
وقوله : ( أَلَمْ تَرَ ) إلخ ، الكلام بمنزلة دفع الدخل كأنه قيل : ما وجه ذكر قوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) « إلخ » فقيل : ألم تر إلى تخلفهم من الطاعة حيث يريدون التحاكم إلى الطاغوت؟ والاستفهام للتأسف والمعنى : من الأسف ما رأيته أن بعض الناس ، وهم معتقدون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من الكتاب وإلى سائر الأنبياء والكتب السماوية إنما أنزلت لتحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، وقد بينه الله تعالى لهم بقوله : ( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) : « البقرة : ٢١٣ » يتحاكمون عند التنازع إلى الطاغوت وهم أهل الطغيان والمتمردون عن دين الله المتعدون على الحق ، وقد أمروا في هذه الكتب أن يكفروا بالطاغوت ، وكفى في منع التحاكم إليهم أنه إلغاء لكتب الله وإبطال لشرائعه.
وفي قوله « ( وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) ، دلالة على أن تحاكمهم إنما هو بإلقاء الشيطان وإغوائه ، والوجهة فيه الضلال البعيد.
قوله تعالى : « وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا » إلى آخر الآية ، تعالوا بحسب الأصل أمر من التعالي وهو الارتفاع ، وصد عنه يصد صدودا أي أعرض ، وقوله : ( إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ ) ، بمنزلة أن يقال : إلى حكم الله ومن يحكم به ، وفي قوله : ( يَصُدُّونَ عَنْكَ ) ، إنما خص الرسول بالإعراض مع أن الذي دعوا إليه هو الكتاب والرسول معا لا الرسول وحده لأن الأسف إنما هو من فعل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل الله فهم ليسوا بكافرين حتى يتجاهروا بالإعراض عن كتاب الله بل منافقون بالحقيقة يتظاهرون بالإيمان بما أنزل الله لكنهم يعرضون عن رسوله.
ومن هنا يظهر أن الفرق بين الله ورسوله بتسليم حكم الله والتوقف في حكم الرسول نفاق البتة.
قوله تعالى : « فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ » إلخ إيذان بأن هذا الإعراض والانصراف عن حكم الله ورسوله ، والإقبال إلى غيره وهو حكم الطاغوت سيعقب مصيبة تصيبهم لا سبب لها إلا هذا الإعراض عن حكم الله ورسوله ، والتحاكم إلى الطاغوت ، وقوله : ( ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ ) ، اه حكاية لمعذرتهم أنهم ما كانوا يريدون بركونهم إلى حكم الطاغوت سوء ، والمعنى ـ والله أعلم ـ : فإذا كان حالهم هذا الحال كيف صنيعهم