إذا أصابهم بفعالهم هذا وباله السيئ ثم جاءوك يحلفون بالله قائلين ما أردنا بالتحاكم إلى غير الكتاب والرسول إلا الإحسان والتوفيق وقطع المشاجرة بين الخصوم.
قوله تعالى : « أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ » إلخ تكذيب لقولهم فيما اعتذروا به ، ولم يذكر حال ما في قلوبهم ، وأنه ضمير فاسد لدلالة قوله : « فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ » على ذلك إذ لو كان ما في قلوبهم غير فاسد كان قولهم صدقا وحقا ولا يؤمر بالإعراض عمن يقول الحق ويصدق في قوله.
وقوله : ( وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ) أي قولا يبلغ في أنفسهم ما تريد أن يقفوا عليه ويفقهوه من مفاسد هذا الصنيع ، وأنه نفاق لو ظهر نزل بهم الويل من سخط الله تعالى.
قوله تعالى : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ » ، رد مطلق لجميع ما تقدمت حكايته من هؤلاء المنافقين من التحاكم إلى الطاغوت ، والإعراض عن الرسول ، والحلف والاعتذار بالإحسان والتوفيق. فكل ذلك مخالفة للرسول بوجه سواء كانت مصاحبة لعذر يعتذر به أم لا ، وقد أوجب الله طاعته من غير قيد وشرط فإنه لم يرسله إلا ليطاع بإذن الله ، وليس لأحد أن يتخيل أن المتبع من الطاعة طاعة الله ، وإنما الرسول بشر ممن خلق إنما يطاع لحيازة الصلاح فإذا أحرز صلاح من دون طاعته فلا بأس بالاستبداد في إحرازه ، وترك الرسول في جانب ، وإلا كان إشراكا بالله ، وعبادة لرسوله معه ، وربما كان يلوح ذلك في أمور يكلمون فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول قائلهم له إذا عزم عليهم في مهمة : أبأمر من الله أم منك؟
فذكر الله سبحانه أن وجوب طاعة النبي صلىاللهعليهوآله وجوب مطلق ، وليست إلا طاعة الله فإنها بإذنه نظير ما يفيده قوله تعالى : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) الآية : « النساء : ٨٠ ».
ثم ذكر أنهم لو رجعوا إلى الله ورسوله بالتوبة حين ما خالفوا الرسول بالإعراض لكان خيرا لهم من أن يحلفوا بالله ، ويلفقوا أعذارا غير موجهة لا تنفع ولا ترضي رسول الله صلىاللهعليهوآله لأن الله سبحانه يخبره بحقيقة الأمر ، وذلك قوله : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ ) إلى آخر الآية.
قوله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ) إلخ ، الشجر ـ بسكون الجيم ـ والشجور : الاختلاط يقال : شجر شجرا وشجورا أي اختلط ، ومنه التشاجر