والمشاجرة كأن الدعاوي أو الأقوال اختلط بعضها مع بعض ، ومنه قيل للشجر : شجر لاختلاط غصونها بعضها مع بعض ، والحرج الضيق.
وظاهر السياق في بدء النظر أنه رد لزعم المنافقين أنهم آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوآله مع تحاكمهم إلى الطاغوت فالمعنى : فليس كما يزعمون أنهم يؤمنون مع تحاكمهم إلى الطاغوت بل لا يؤمنون حتى يحكموك « إلخ ».
لكن شمول حكم الغاية أعني قوله : ( حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ) « إلخ » لغير المنافقين ، وكذا قوله بعد ذلك : « وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ » إلى قوله : « ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ » يؤيد أن الرد لا يختص بالمنافقين بل يعمهم وغيرهم من جهة أن ظاهر حالهم أنهم يزعمون أن مجرد تصديق ما أنزل من عند الله بما يتضمنه من المعارف والأحكام إيمان بالله ورسوله وبما جاء به من عند ربه حقيقة ، وليس كذلك بل الإيمان تسليم تام باطنا وظاهرا فكيف يتأتى لمؤمن حقا أن لا يسلم للرسول حكما في الظاهر بأن يعرض عنه ويخالفه ، أو في باطن نفسه بأن يتحرج عن حكم الرسول إذا خالف هوى نفسه ، وقد قال الله تعالى لرسوله : ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) : « النساء : ١٠٥ ».
فلو تحرج متحرج بما قضى به النبي صلىاللهعليهوآله فمن حكم الله تحرج لأنه الذي شرفه بافتراض الطاعة ونفوذ الحكم.
وإذا كانوا سلموا حكم الرسول ، ولم يتحرج قلوبهم منه كانوا مسلمين لحكم الله قطعا سواء في ذلك حكمه التشريعي والتكويني ، وهذا موقف من مواقف الإيمان يتلبس فيه المؤمن بعدة من صفات الفضيلة أوضحها : التسليم لأمر الله ، ويسقط فيه التحرج والاعتراض والرد من لسان المؤمن وقلبه ، وقد أطلق في الآية التسليم إطلاقا.
ومن هنا يظهر أن قوله : ( فَلا وَرَبِّكَ ) إلى آخر الآية ، وإن كان مقصورا على التسليم لحكم النبي صلىاللهعليهوآله بحسب اللفظ لأن مورد الآيات هو تحاكمهم إلى غير رسول الله صلىاللهعليهوآله مع وجوب رجوعهم إليه إلا أن المعنى عام لحكم الله ورسوله جميعا ، ولحكم التشريع والتكوين جميعا كما عرفت.
بل المعنى يعم الحكم بمعنى قضاء رسول الله صلىاللهعليهوآله وكل سيرة سار بها أو عمل عمل به لأن الأثر مشترك فكل ما ينسب بوجه إلى الله ورسوله بأي نحو كان لا يتأتى