فالصديق الذي لا يكذب أصلا هو الذي لا يفعل إلا ما يراه حقا من غير اتباع لهوى النفس ، ولا يقول إلا ما يرى أنه حق ، ولا يرى شيئا إلا ما هو حق فهو يشاهد حقائق الأشياء ، ويقول الحق ، ويفعل الحق.
وعلى ذلك فيترتب المراتب فالنبيون وهم السادة ، ثم الصديقون وهم شهداء الحقائق والأعمال ، والشهداء وهم شهداء الأعمال ، والصالحون وهم المتهيئون للكرامة الإلهية.
وقوله تعالى : « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » أي من حيث الرفاقة فهو تمييز ، قيل : ولذلك لم يجمع ، وقيل : المعنى : حسن كل واحد منهم رفيقا ، وهو حال نظير قوله : ( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) : « الحج : ٥ ».
قوله تعالى : « ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً » تقديم « ذلِكَ » وإتيانه بصيغة الإشارة الدالة على البعيد ودخول اللام في الخبر يدل على تفخيم أمر هذا الفضل كأنه كل الفضل ، وختم الآية بالعلم لكون الكلام في درجات الإيمان التي لا سبيل إلى تشخيصها إلا العلم الإلهي.
واعلم أن في هذه الآيات الشريفة موارد عديدة من الالتفات الكلامي متشابك بعضها مع بعض فقد أخذ المؤمنون في صدر الآيات مخاطبين ثم في قوله : « وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ » كما مر غائبين ، وكذلك أخذ تعالى نفسه في مقام الغيبة في صدر الآيات في قوله : ( أَطِيعُوا اللهَ ) الآية ، ثم في مقام المتكلم مع الغير في قوله : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ ) الآية ، ثم الغيبة في قوله : ( بِإِذْنِ اللهِ ) الآية ، ثم المتكلم مع الغير في قوله : ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا ) الآية ، ثم الغيبة في قوله : ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ) الآية.
وكذلك الرسول أخذ غائبا في صدر الآيات في قوله : ( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) الآية ، ثم مخاطبا في قوله : ( ذلِكَ خَيْرٌ ) الآية ، ثم غائبا في قوله : ( وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) الآية ، ثم مخاطبا في قوله : ( فَلا وَرَبِّكَ ) الآية ، ثم غائبا في قوله : ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ) الآية ، ثم مخاطبا في قوله : ( وَحَسُنَ أُولئِكَ ) الآية ، فهذه عشر موارد من الالتفات الكلامي والنكات المختصة بكل مورد مورد ظاهرة للمتدبر.
(بحث روائي)
في تفسير البرهان ، عن ابن بابويه بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري : لما أنزل