قالوه في المقتولين ، ووصف حال المستشهدين بعد القتل وأنهم منعمون في حضرة القرب يستبشرون بإخوانهم من خلفهم.
قوله تعالى : « أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها » لما نهاهم أن يكونوا كالذين كفروا في التحزن لقتلاهم والتحسر عليهم ببيان أن أمر الحياة والموت إلى الله وحده لا إليهم حتى يدورا مدار قربهم وبعدهم وخروجهم إلى القتال أو قعودهم عنه رجع ثانيا إلى بيان سببه القريب على ما جرت عليه سنة الأسباب ، فبين أن سببه إنما هو المعصية الواقعة يوم أحد منهم وهو معصية الرماة بتخلية مراكزهم ، ومعصية من تولى منهم عن القتال بعد ذلك ، وبالجملة سببه معصيتهم الرسول ـ وهو قائدهم ـ وفشلهم وتنازعهم في الأمر وذلك سبب للانهزام بحسب سنة الطبيعة والعادة.
فالآية في معنى قوله : أتدرون من أين أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها؟ إنما أصابتكم من عند أنفسكم وهو إفسادكم سبب الفتح والظفر بأيديكم ومخالفتكم قائدكم وفشلكم واختلاف كلمتكم.
وقد وصفت المصيبة بقوله : ( قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها ) وهو إشارة إلى مقايسة ما أصابهم الكفار يوم أحد ، وهو قتل سبعين رجلا منهم بما أصابوا الكفار يوم بدر وهو مثلا السبعين فإنهم قتلوا منهم يوم بدر سبعين رجلا وأسروا سبعين رجلا.
وفي هذا التوصيف تسكين لطيش قلوبهم وتحقير للمصيبة فإنهم أصيبوا من أعدائهم بنصف ما أصابوهم فلا ينبغي لهم أن يحزنوا أو يجزعوا.
وقيل : إن معنى الآية : أنكم أنفسكم اخترتم هذه المصيبة ، وذلك أنهم اختاروا الفداء من الأسرى يوم بدر ، وكان الحكم فيهم القتل ، وشرط عليهم أنكم إن قبلتم الفداء قتل منكم في القابل بعدتهم فقالوا : رضينا فإنا نأخذ الفداء وننتفع به ، وإذا قتل منا فيما بعد كنا شهداء.
ويؤيد هذا الوجه بل يدل عليه ما ذيل به الآية أعني قوله : ( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) إذ لا تلائم هذه الفقرة الوجه السابق البتة إلا بتعسف ، وسيجيء روايته عن أئمة أهل البيت عليهالسلام في البحث الروائي الآتي.
قوله تعالى : « وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ » إلى آخر الآيتين ، الآية الأولى