فغير خطاب الجمع في هذه الموارد إلى خطاب المفرد ، وهي موارد تحبس المتكلم الجاري في كلامه عن الجري فيه لما تغيظه وتهيج وجده ، بخلاف مثل قوله في ضمن الآيات : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ ) ، وقوله : ( وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ ) ، لأن العتاب فيهما بخطاب الجمع أوقع دون خطاب المفرد ، وبخلاف مثل قوله في ضمن الآيات : ( لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) الآية ، لأن الامتنان ببعثة النبي صلىاللهعليهوآله مع أخذه غائبا أوقع وأشد تأثيرا في النفوس ، وأبعد من الوهم والخطور ، فتدبر في الآيات تجد صحة ما ذكرناه.
ومعنى الآية : واذكر إذ خرجت بالغداة من أهلك تهيئ للمؤمنين مقاعد للقتال أو تسكنهم وتوقفهم فيها والله سميع لما قيل هناك ، عليم بما أضمرته قلوبهم ، والمستفاد من قوله : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ) ، قرب المعركة من داره صلىاللهعليهوآله فيتعين بذلك أن الآيتين ناظرتان إلى غزوة أحد فتتصل الآيتان بالآيات الآتية النازلة في شأن أحد لانطباق المضامين على وقائع هذه الغزوة ، وبه يظهر ضعف ما قيل : إن الآيتين في غزوة بدر ، وكذا ما قيل : إنهما في غزوة الأحزاب ، والوجه ظاهر.
قوله تعالى : « وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » أي سميع يسمع ما قيل هناك ، عليم يعلم ما كان مضمرا في قلوبكم ، وفيه دلالة على كلام جرى هناك بينهم ، وأمور أضمروها في قلوبهم ، والظاهر أن قوله : ( إِذْ هَمَّتْ ) ، متعلق بالوصفين.
قوله تعالى : « إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما » الهم ما هممت به في نفسك وهو القصد ، والفشل ضعف مع الجبن.
وقوله ( وَاللهُ وَلِيُّهُما ) ، حال والعامل فيه قوله : ( هَمَّتْ ) ، والكلام مسوق للعتاب واللوم ، وكذا قوله : ( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ، والمعنى : أنهما همتا بالفشل مع أن الله وليهما ولا ينبغي لمؤمن أن يفشل وهو يرى أن الله وليه ، ومع أن المؤمنين ينبغي أن يكلوا أمرهم إلى الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
ومن ذلك يظهر ضعف ما قيل : إن هذا الهم هم خطرة لا هم عزيمة لأن الله تعالى مدحهما ، وأخبر أنه وليهما ، ولو كان هم عزيمة وقصد لكان ذمهم أولى إلى مدحهم.
وما أدري ما ذا يريد بقوله : إنه هم خطرة ، أمجرد الخطور بالبال وتصور مفهوم