النعم في معرض الزوال ، وارتفاع مطلق الحزن إنما يتيسر له إذا لم يفقد شيئا من أنواع سعادته لا ابتداء ولا بعد الوجدان ، فرفعه تعالى مطلق الخوف والحزن عن الإنسان معناه أن يفيض عليه كل ما يمكنه أن يتنعم به ويستلذه ، وأن لا يكون ذلك في معرض الزوال ، وهذا هو خلود السعادة للإنسان وخلوده فيها.
ومن هنا يتضح أن نفي الخوف والحزن هو بعينه ارتزاق الإنسان عند الله فهو سبحانه يقول : ( وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ ) : « آل عمران : ١٩٨ » ، ويقول : ( وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ ) : « النحل : ٩٦ » فالآيتان تدلان على أن ما عند الله نعمة باقية لا يشوبها نقمة ولا يعرضها فناء.
ويتضح أيضا أن نفيهما هو بعينه إثبات النعمة والفضل وهو العطية لكن تقدم في أوائل الكتاب وسيجيء في قوله تعالى : ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) : « النساء : ٦٩ » ، أن النعمة إذا أطلقت في عرف القرآن فهي الولاية الإلهية ، وعلى ذلك فالمعنى : أن الله يتولى أمرهم ويخصهم بعطية منه.
وأما احتمال أن يكون المراد بالفضل الموهبة الزائدة على استحقاقهم بالعمل ، والنعمة ما بحذائه فلا يلائمه قوله : ( وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) فإن الأجر يؤذن بالاستحقاق ، وقد عرفت أن هذه الفقرات أعني قوله : ( عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) وقوله : ( فَرِحِينَ بِما ) إلخ وقوله : ( يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ ) إلخ ، وقوله : ( وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) مآلها إلى حقيقة واحدة.
وفي الآيات أبحاث أخر تقدم بعضها في تفسير قوله : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ ) : « البقرة : ١٥٤ » ، ولعل الله يوفقنا لاستيفاء ما يسعنا من البحث فيها في ما سيجيء من الموارد المناسبة إن شاء الله تعالى.
* * *
( الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ـ ١٧٢.