وجدوه من الفضل الإلهي الحاضر المشهود عندهم ، ويطلبون السرور بما يأتيهم من البشرى بحسن حال من لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ومن ذلك يظهر أولا أن هؤلاء المقتولين في سبيل الله يأتيهم ويتصل بهم أخبار خيار المؤمنين الباقين بعدهم في الدنيا.
وثانيا أن هذه البشرى هي ثواب أعمال المؤمنين وهو أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وليس ذلك إلا بمشاهدتهم هذا الثواب في دارهم التي هم فيها مقيمون فإنما شأنهم المشاهدة دون الاستدلال ففي الآية دلالة على بقاء الإنسان بعد الموت ما بينه وبين يوم القيامة ، وقد فصلنا القول فيه في الكلام على نشأة البرزخ في ذيل قوله تعالى : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ ) الآية : « البقرة : ١٥٤ ».
قوله تعالى : « يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ » الآية ، هذا الاستبشار أعم من الاستبشار بحال غيرهم وبحال أنفسهم والدليل عليه قوله : ( وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، فإنه بإطلاقه شامل للجميع ، ولعل هذه هي النكتة في تكرار الاستبشار وكذا تكرار الفضل فتدبر في الآية.
وقد نكر الفضل والنعمة وأبهم الرزق في الآيات ليذهب ذهن السامع فيها كل مذهب ممكن ، ولذا أبهم الخوف والحزن ليدل في سياق النفي على العموم.
والتدبر في الآيات يعطي أنها في صدد بيان أجر المؤمنين أولا ، وأن هذا الأجر رزقهم عند الله سبحانه ثانيا ، وأن هذا الرزق نعمة من الله وفضل ثالثا ، وأن الذي يشخص هذه النعمة والفضل هو أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون رابعا.
وهذه الجملة أعني قوله : أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون كلمة عجيبة كلما أمعنت في تدبرها زاد في اتساع معناها على لطف ورقة وسهولة بيان ، وأول ما يلوح من معناها أن الخوف والحزن مرفوعان عنهم ، والخوف إنما يكون من أمر ممكن محتمل يوجب انتفاء شيء من سعادة الإنسان التي يقدر نفسه واجدة لها ، وكذا الحزن إنما يكون من جهة أمر واقع يوجب ذلك ، فالبلية أو كل محذور إنما يخاف منها إذا لم يقع بعد فإذا وقعت زال الخوف وعرض الحزن فلا خوف بعد الوقوع ولا حزن قبله.
فارتفاع مطلق الخوف عن الإنسان إنما يكون إذا لم يكن ما عنده من وجوه