وإنما يمنعنا رعاية جانب رهطك. فمحصل قولهم إهانة شعيب وأنهم لا يعبئون به ولا بما قال ، وإنما يراعون في ترك التعرض له جانب رهطه.
قوله تعالى : « قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا » الظهري نسبة إلى الظهر بفتح الظاء المعجمة وإنما غير بالنسب وهو الشيء الذي وراء الظهر فيترك نسيا منسيا يقال : اتخذه وراءه ظهريا أي نسيه ولم يذكره ولم يعتن به.
وهذا نقض من شعيب لقولهم : « وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ » أي كيف تعززون رهطي وتحترمون جانبهم ، ولا تعززون الله سبحانه ولا تحترمون جانبه وإني أنا الذي أدعوكم إليه من جانبه؟ فهل رهطي أعز عليكم من الله؟ وقد جعلتموه نسيا منسيا وليس لكم ذلك وما كان لكم أن تفعلوه إن ربي بما تعملون محيط بما له من الإحاطة بكل شيء وجودا وعلما وقدرة. وفي الآية طعن في رأيهم بالسفه كما طعنوا في الآية السابقة في رأيه بالهوان.
قوله تعالى : « وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ » إلى آخر الآية. قال في المجمع : ، المكانة الحال التي يتمكن بها صاحبها من عمل. انتهى وهو في الأصل. كما قيل ـ من مكن مكانة كضخم ضخامة إذا قوي على العمل كل القوة ويقال ـ تمكن من كذا أي أحاط به قوة.
وهذا تهديد من شعيب لهم أشد التهديد فإنه يشعر بأنه على وثوق مما يقول لا يأخذه قلق ولا اضطراب من كفرهم به وتمردهم عن دعوته فليعملوا على ما لهم من القوة والتمكن فلهم عملهم وله عمله فسوف يفاجئهم عذاب مخز يعلمون عند ذلك من هو الذي يأخذه العذاب. هم أو هو؟ ويعلمون من هو كاذب؟ فليرتقبوا وهو معهم رقيب لا يفارقهم.
قوله تعالى : « وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً ـ إلى قوله ـ جاثِمِينَ » تقدم ما يتضح به معنى الآية.
قوله تعالى : « كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ » غني في المكان إذا أقام فيه. وقوله : « أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ » إلخ. فيه لعنهم كما لعنت ثمود ، وقد تقدم بعض الكلام فيه في القصص السابقة.