الكافور زائد على تبريد ماء الشعير ، وإسخان لحم الافاعي اكثر من إسخان الثوم ، فلهذا احتيج إِلى إِخراج درجاتها ، ليعلم التفاوت فيها ، وتستعمل بحسب مقادير افعالها .
فالغذاء والدواء : إِذا كان معتدلاً ، فلا درجة له في شيء من الكيفيات الاربع الاُمهات ، لأنه لا تأثير له في البدن ؛ لأن معنانا في قولنا درجة : كمية تأثير الشيء في البدن ، وإِنما البدن : هو المؤثَّر فيه . فإِذا خرج عن الاعتدال : لم يخل من إِحدى درجات اربع :
فالدرجة الأُولى : هي الاشياء التي تؤثر في البدن اكثر مما يؤثِّر البدن فيها ، وذلك بأن يحل كيفية الهواء الذي في باطن البدن فقط .
وعلامة ذلك ان يحس المستعمل له بتغيُّر يسير ينال البدن .
والدرجة الثانية : هي الاشياء التي تؤثر في البدن تاثيراً ابْيَن من ذلك ، بأَن تتجاوز إِحالة الهواء إِلى إِحالة رطوبة الجسد .
والدرجة الثالثة : هي الاشياء التي تؤثر في البدن تاثيراً مفرطاً يتجاوز الهواء والرطوبة إِلى التأثير في الشحم الذي هو اشد منها .
والدرجة الرابعة : هي الاشياء التي تُفْسِدُ البدن ، وتخرجه عن صورته ، بأن تذيب لحمه ، وتُفرِّق اجزاءه ، أو تخدِّره ، وتطفي حرارته ، ولا قوام للحيوان (١) بعد ذلك ولا تماسك فلهذا لا يوجد درجة خامسة ، حتى يمكِن ان يقال انها الاشياء التي تعمل في العظم .
وهذا كما فعله اصحاب الموسيقى بأوتار العود ، فإِنهم جعلوها اربعة :
أوَّلُها : البم الذي يَخرج منه اثقل النغم ، وآخرها الزير الذي يخرج منه احد
______________________
(١) الحيوان : كل ذي روح ناطقاً كان أو غير ناطق ، مأخوذ من الحياة ، يستوي فيه الواحد والجمع لأَنه مصدر في الأصل . ( التحقيق في كلمات القرآن الكريم : ج ٢ ، ص ٣٣٥ ) .