العلم المهمّةِ في خراسانَ ، ذلك الإقليم الواسعُ الذي أنجب الكثير من العلماء والأُدباء والمفكرينَ ، وبها درس الطوسي علومَ اللغةِ والأدبِ والفقهَ واُصولَه والحديثَ وعلمَ الكلام ، والتي هي مقدّماتٌ اساسيّةٌ لمن أراد أن يواصل دراستَه العلميّةَ العاليةَ في الجامعاتِ الإسلاميّةِ ذاتِ النَمطِ الحوزوي.
وعندما اتقنَ الشيخُ الطوسي تلك المقدّماتِ شدّ الرحالَ إلى بغدادَ ، وذلك عام ٤٠٨ ه ، حيث كانت هذه المدينةُ نقطةَ جذبٍ لكلّ طامعٍ في الاستزادةِ من المعارفِ والعلومِ الإسلاميةِ.
وعندما نزل الشيخُ الطوسي بغدادَ كانت الزعامةُ للمذهبِ الجعفري قد آلت للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد وبابن المعلّم ، وقد تتلمذَ شيخُنا الطوسي على يد الشيخ المفيدِ ، وبقَي على اتصالٍ به حتّى وفاتِه سنة ٤١٣ ه ١.
ولاجل الوقوفِ على الحالةِ الثقافيّةِ لمفسّرنا لابدّ من معرفةِ أحوال أساتيذِه ومكانِتهم العلميّةِ وسعة اطّلاعِهم التي اغترفَ منها ، فكوّنتْ فيما بعد شخصيّته الثقافيّةَ والفكريّةَ :
فأُستاذُه الأوّلُ في بغدادَ الشيخُ المفيد الذي كان موضعَ اعجابِ من ترجمَ له من الكتّابِ والمؤرّخينَ.
حيث يقول ابن كثير فيه :
|
محمّد بن محمّد بن نعمان أبو عبد الله المعروف بابن المعلّم شيخ الإماميّة والمصنّف لهم والمحامي عن حوزتهم ، كانتْ ملوك الأطراف تعتقدُ به لكثرة الميل للشيعة في ذلك الزمان ، وكان يحضر مجلسه خلقٌ عظيمٌ من العلماء من جميع الطوائفِ والمللِ ٢. |
وأمّا ابن العماد الحنبلي ، فكان يصفه بمايلي :
|
عالم الشيعة وإمام الرافضة ولسان الإماميّة ، رئيس الكلام والفقه والجدل ، صاحب |
__________________
١. السيّد بحر العلوم ، مقدّمة الأمالي للطوسي ، ج ١ ، ص ٤.
٢. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ١٢ ، ص ١٥.