الطوسي مدينة النجف الأشرف ، لأنَّ تكون مستقرّاً له كان له مرجحاتٌ عديدةٌ منها :
١. وجود نواةٍ لحركةٍ علميةٍ في تلك المدينة ، قد تسدّ فراغاً بعد بغداد ، فيجد فيها الشيخ الطوسي بديلاً عن مدرسته في دار السلام.
٢. وقوع النجف الأشرف على مقربةٍ من الكوفة والتي هي موطن التشيع ، حيث سيجد الشيخ الطوسي فيها قاعدةً جماهيريّةً تتجاوب مع أفكاره ومتبنّياته ووجهات نظره المذهبية ، وبالتالي سوف لن يواجه مشكلةً أُخرى كتلك التي عانى منها كثيراً في بغداد بسبب الخلافات المذهبية.
٣. الموقع الجغرافي لمدينة النجف الأشرف ، وبعدها عن مركز الأحداث المتفاقمة عن العاصمة بغداد يؤهلها لأنْ تكون مكاناً آمناً خاصّةً لاولئك الذين صاروا وقوداً للفتنة ، وسُلِّطَت عليهم الأضواء ، وأصبحوا تحت المراقبة.
كلّ هذه الأُمور حفزت الشيخ الطوسي لأنّ يختار مدينة النجف الأشرف مكاناً لاستقراره ، وفعلاً فقدكان اختياره صائباً ، حيث استطاع أن يخلق من تلك المدينة مدرسةً علميةً كبرى يؤمها الناس من شتى أنحاء الدنيا.
وقدبقي الشيخ الطوسي في مدينة النجف الأشرف اثني عشر عاماً منذ أن نزلها عام ٤٤٨ ه وحتى وفاته فيها سنة ٤٦٠ ه ، ولا زال بيته موجوداً فيها ، وقدتحول فيما بعد إلى مسجد يحمل اسم الشيخ الطوسي ، ويقع شمال ضريح الامام علي عليهالسلام وعلى مقربةٍ منه في الجهة اليسرى من شارع يحمل اسم الشيخ الطوسي أيضاً.
يعود تاريخ الحركة العلمية في النجف الأشرف إلى نهاية القرن الثاني الهجرى ، وبعد بناء مدينة بغداد على وجه التحديد ، حيث شيّد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عاصمته الجديدة على نهر دجلة في النصف الثاني من القرن الهجري الثاني ١ واتخذها عاصمةً له ، فاستقطبت تلك المدينة الحديثة علماء الكوفة وفقهاءها ، ونزلوا بها ، وتبعهم بذلك جمعٌ من طلبة العلوم ، مما اضعف مدرسة الكوفة ، وقد تزامن ذلك مع بدء الحركة العمرانية في النجف
__________________
١. النجاشي ، الرجال ، ص ٣١.