الاعتزال وسوءِ المذهب.
ثم أعقب ذلك تفاقم الأوضاع وسوء الحالة ، حينما تضاعفت حالة الاضطهاد المذهبي ، واشتدّت في خراسان خاصّةً بعد وصول الدعوة الإسماعيليّة المصريّة إليها ١ ، الأمرالذي أدى بالشيخ الطوسي كما أدى بغيره من العلماء وطلاب العلوم من غيرِ أبناء المذهب السني لأن يهربوا من جحيم الاضطهاد إلى بلد آخر ، فكانت بغداد محط الرحال لهم ، والتي لم تكن هي أيضاً بمنجى عن آثار هذه السياسة الجائرة ، وإن كانت أحسن حالاً من غيرها بسبب وجود البويهيين على رأس الحكم فيها.
ولعل تاريخ الاضطهاد الفكري في العصر العباسي يعود إلى ماقبل وصول الشيخ الطوسي إلى بغداد بكثيرٍ ، حيث كان السبب في هذا الاضطهاد هو الصراع الفكري القائم بين المدارس الكلاميّة والفقهيّة ، والتي يشكل الخلاف الحاد بين أصحاب النزعة السلفيّة والنزعة العقليّة أهم مظاهره ، مما أثار غـضب السلطة العباسية أيام المتوكّل على الله ( ٢٣٢. ٢٤٧ ه ) ، والذي كان منحازاً وبشكل متطرفٍ إلى المدرسة السلفية ، تلك المدرسة التي أخذت تضطهد الفئات المخالفة لها كالمعتزلة والشيعة ، وكل من يحاول التوفيق بين أحكام العقل وأحكام الشرع ٢ ، وبانحياز الخليفة لهذا الإتجاه يكون السلفيون قد زادوا من نفوذهم ، وصاروا يُلَوِّحون بعصا التهديد لمن خالفهم ، حتى صاروا « حكومةً داخل حكومةٍ »٣.
وقد تدخّلوا في شؤون الناس الخاصة ، مما سبب الاستياء العام بعد أن عجزت السلطة عن ردعهم ، الأمر الذي شجع الاُمراء على الخروج عن أوامر السلطة المركزيّة ، فاعلنوا استقلالهم ، مما أثار غـضب الخليفة المستكفي باللّه ( ٣٣٣. ٣٣٤ ه ) على الأتراك الذين كانوا يتولون اُمور البلاد ، وضبط الأمن فيها ، واضطر عندها للاستنجاد بالبويهيين ليتسلّموا
__________________
١. مصطفى جواد ، مقالة في مجلة المجمع العلمي العراقي ، مج ٤ ، ج ٢ ، ص ٥١٢.
٢. المسعودي ، مروج الذهب ، ج ٤ ، ص ٨٦.
٣. أحمد أمين ، ضحى الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٠٠.