الخدمة لاستماع النصّ الجليّ على الامام العظيم ، الذي زيّن الله كتابه بذكر أسمائه بقوله : ( إنَّهُ فِي اُمِّ الكِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (١).
صاحب الكرامات السامية ، والمقامات العالية ، وجه الله الذي يتوجّه به إليه ، وسبيله الّذي بسلوكه يفوز السالكون فيه يوم العرض عليه ، ويده الباسطة في بلاده ، وعينه الباصرة في عباده ، وحبيبه حقّاً فمن فرط فيه فقد فرط في حبيب الله ، ولسانه صدقاً فمن ردّ عليه فقد ردّ على الله ، لما شرب بالكأس الرويّة من شراب ( يُحبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ ) (٢) ، وفاز بالدرجة العليّة من مقامات ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ ) (٣) ، قابل بوجه باطنه أنوار تجلّيات قيّوم الملكوت ، وظهرت بانعكاس مرآة كمال عرفانه أسرار صاحب العزّة والجبروت ، فصار قلبه مشكاة النور الإلهي من حضيرة جلاله ونفسه ، منبع السر الخفيّ من فيضان كماله.
جلّ أن يدرك وصفه بيان واصف ، أو يوصف قدره بنان راصف ، نقطة دائرة الموجودات فعليه مدارها ، وصفوة خلاصة الكائنات فهو قيّمها ومختارها ، من نحو منطقة يعرف الحقّ فما زيد وعمر؟ وإلى مصباح علمه يعشق الخلق فما خالد وبكر؟
من اعتقد أنّ الحقّ بميزان غير علومه يعرف فالوبال والنكال له وفيه ، ومن زعمّ أنّ الربّ بمنطق غير بيانه يوصف فالتراب بل الكثكث (٤) بفيه ، كلّيّ العلم وجزئيّه به يعرف ، وفضل العدل وجنسه برسمه وحده معرّف.
__________________
١ ـ سورة الزخرف : ٤.
٢ ـ سورة المائدة : ٥٤.
٣ ـ سورة النساء : ٨٣.
٤ ـ الكثكث : دُقاق التراب ، وفُتات الحجارة ؛ وقيل : التراب مع الحجر. « لسان العرب : ٢ / ١٧٩ ـ كثث ـ ».