أيها الناس ، والذي بعثني بالرسالة ، وانتجبني للنبوّة ، ما أقمت عليّاً علماً في الأرض حتى نوّه الله بذكره في السماء ، وفرض ولايته على سائر ملائكته.
ثم قلت عقيبها :
يا لها من خطبة نشر فيها صلىاللهعليهوآله لواء الايمان ، وظهر منها رواء الإحسان ، وخفق علما لحقّ في الملكوت الأعلى ، وبرق بارق العدل في أقطار الدنيا ، فالملائكة المقرّبون مشغولون بتكرارها لاستظهارها ، والولدان المخلّدون مأمورون بإظهارها وإشهارها ، يحيي موات القلوب مزن سحابها ، وينشي نشوات السرور في النفوس رحيق شرابها ، وتنعش قلب المؤمن التقيّ بلذّة خطابها ، وتتعس جدّ المنافق الشقيّ بشدّة عتابها.
يا لها من خطبة الحقّ منبرها ، والصدق مخبرها ، والنبوّة أصلها ، والإمامة نسلها ، والنبيّ موردها ومصدرها ، والوصيّ موردها ومصدرها ، العهود فيها مؤكّدة ، والعقود مشدّدة ، والإيمان بامتثال نواهيها وأوامرها منوط ، والكفر بمخالفة بواطنها وظواهرها مَسُوط ، بلبل دوح فصاحتها يطرب أسماع القلوب بشهيّ نغمته ، وسربال جمال بلاغتها يروق أبصار البصائر بوشيّ صنعته.
دقّت لها كؤوس الحبور في الملكوت الأعلى ، واُديرت كؤوس السرور في جنّة المأوى ، وتلقّت الملائكة المقرّبون بالبشرى أهل التحقيق على مراكب التوفيق ، وطافت الولدان المخلّدون على أهل التصديق من الرحيق المختوم بأكواب وأباريق ، وفتح رضوان باب الرضوان بأمر المهيمن السلام ، وقال لأهل الولاية من المؤمنين : ( ادخُلُوهَا بِسَلامٍ ) (١) ، ومشى بين أيديهم قائماً بشرائط
__________________
١ ـ سورة الحجر : ٤٦ ، سورة ق : ٣٤.