الخدمة ، وأجلسهم على أرائك التعظيم مجرياً عليهم من الاكرام عادته ورسمه ، ( يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُونَ بَأَكوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأسٍ مِن مَعِينٍٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحمِ طَيرٍ مِمَّا يَشتَهُونَ ) (١).
فابشروا ـ معار المؤمنين العارفين ـ بفضل هذا اليوم الشريف ، والعيد المنيف ، الّذي أقام الله فيه عليّاً أمير المؤمنين علماً للمسلمين ، وأمركم باتّباع نيّر دليله في محكم تنزيله ، فقال عزّ من قائل : ( وَأنََّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ) (٢).
والله لقد نظرتم حيث نظر الله ، وواليتم من والى الله ، وعاديتم من عادى الله ، أنتم الشعار والدثار ، والأبرار الأطهار ، طهرت ولادتكم ، وخلصت طينتكم ، فما المؤمنون إلا أنتم ، ولا المخلصون إلا منكم ، اختاركم الله لدينه ، واصطفاكم على غيبه ، فما خُلقت الجنّة إلا لكم ، ولا برّزت الجحيم إلا لعدوّكم.
أنتم في النار تطلبون فلا توجدون ، ومن الكوثر تردون ولا تصدّون ، فلا يحزنكم إقبال الدنيا على غيركم ، واجتماع أهلها على إهانتكم وتأخيركم ، فإنّما هم ذئاب ضارية ، بل كلاب عاوية ، فلا تمدّوا أعينكم إلى ما متّعوا به من زينتها ، وفتنوا فيه من زهرتها ، من الثياب الموشّاة والمراكب المغشّاة ، والخيل المسوّمة ، والنعم المطهّمة ، والحلل المزرّرة ، والعمائم المقوّرة ، والرقاب الغليظة ، والأقفاء العريضة ، والعثانين (٣) المصفّفة ، واللحى المغفّلة ، والدور المزخرفة ، والقصور المشرفة ، والأموال المكنوزة ، والأمتعة المحروزة ، والمنازل العامرة ،
__________________
١ ـ سورة الواقعة : ١٧ ـ ٢١.
٢ ـ سورة الأنعام : ١٥٣.
٣ ـ العُثُنون من اللحية : ما نبت على الذَقَن وتحته سِفلاً ؛ وقيل : اللحية كلّها ؛ وقيل : عُثنون اللحية : طرفها. « لسان العرب : ١٣ / ٢٧٦ ـ عثن ـ ».