والجنان الغامرة ، فإنّ ذلك متاع قليل ، وجناب وبيل ، مرجعه إلى زوال ، وتملّكه إلى انتقال.
وعن قليل يسفر الصباح ، ويحيعل الداعي إلى الفلاح ، ويحمَد المؤمن التقيّ غِبّ السُّرى (١) ، وينجلي عن المنافق الشقيّ غيابات الكرى (٢) ، ويرى أنّ ما كان فيه من النعيم الزائد ، والزبرج الجائد ، إلا (٣) كسرابٍ بقيعةٍ (٤) ، أو حلم يقتضيها سويعة ، ويتجلّى الجليل لحسابه ، وتتهيّأ ملائكة العذاب لأخذه وعقابه ، ويرى سيّده عتيق الأوّل ، وابن صهاك الزنيم الأرذل ، في الدرك الأسفل ، والعذاب الأطول ، مصفّدين مقرّنين ، يستغيثان فلا يغاثان ، ويناديان فلا يجابان ، كلّما سدّت عليهما سبل المسالك استغاثا بخازن النار : يا مالك يا مالك ، نضجت منّا الجلود ، يا مالك أثقلتنا القيود.
إذا أراد الله أن يحلّ بأهل النار أليم عذابه ، ووخيم عقابه ، أمر ملائكة العذاب بفتح كوّة من سجنهما ، فيتأذّى أهل النار من ريحهما ونتنهما ، شرابهما حميم ، وعذابهما مقيم ، وأشياعهما من حولهما في السلاسل يسحبون ، وبالمقامع يضربون ، وفي النار يسجرون ، وفي العذاب محضرون ، يقولون : ( رَبَّنَا أَخرِجنَا مِنهَا فَإن عُدنَا فإنَّا ظَالِمُونَ ) (٥) ، فيجابون : ( اخسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونَ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِن عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغفِر لَنَا وارحَمنَا وَأَنتَ خَيرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذتُمُوهُم سِخرِيّاً حَتَّى أَنسَوكُم ذِكرِي وَكُنتُم مِنهُم تَضحَكُونَ إنِّي جَزَيتُهُمُ
__________________
١ ـ غِبّ الأمر ومغبّته : عاقبته وآخره. السُّري : سير الليل بعامّته.
٢ ـ غَيابة كل شيء : عقره ، الكَرى : النوم.
٣ ـ كذا في الأصل ، ولو كانت العبارة هكذا : « لم يكن إلا » أو « ليس إلا » لكانت أصح.
والزبرج : الوشي ، الذهب ، وكل شيء حسن. والجائد : الكثير ، الغزير.
٤ ـ إقتباس من الآية : ٣٩ من سورة النور.
٥ ـ سورة المؤمنون : ١٠٧.