وبطليموس ، وغيرهم ممّن وضع قوانين العلوم الربّانيّة ، وشققوا الشعر في تحصيل القواعد الفلسفيّة ، وغاصوا في بحار المعارف الإلهيّة ، وهو صلوات الله عليه لم يتردّد إلى عالم غير سيّد المرسلين ، ولم يكن بمكّة وما والاها من البلاد من أرباب العلوم الإلهيّة وغيرها من يسند عنه ذلك ، وإنّما كانوا جاهليّة أجلافاً لا بصيرة لهم بالعلوم ، ولا تمييز بين صحيح الفكر وفاسده ، ولا استنباط دليل يهديهم إلى سبيل الرشاد ، ولو كان لهم أدنى فكر صائب وترتيب مقدّمات تهديهم إلى سواء السبيل لم يتّخذوا الأصنام آلهة من دون الله ، ولا نصبوا الأنصاب ، ولا استقسموا بالأزلام ، ولا بحروا البحيرة ، ولا سيّبوا السائبة ، ولا وصلوا الوصيلة ، ولا وأدوا البنات ، ولا عظّموا هبل واللات ، ولم يعتقدوا من الجاهليّة ، ولا أبطلوا القول بالدليل القاطع ، ولم يقلّدوا آباءهم السالفين من لدن خندف إلى عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله .
وإنّما سمّوا جاهليّة لفرط جهلهم ، وشدّة عنادهم ، وعدم انقيادهم ، فإذا خرج منهم رجل لم يتردّد إلى عالم ، ولم يطالع ما دوّنه القدماء من المتألّهة في دفاترهم عن المنطقي والطبيعي والإلهي والعلوم الرياضيّة من الحساب والهندسة وغيرها ، ثمّ أتى بكلام أبطل مقالهم ، وأدحض حجّتهم ، وأبطل شبهتهم ، ودلّ على وحدة الصانع سبحانه وقدمه ، وحدوث ما سواه ، وعلى قدرته واختياره ، وعلمه بالحريّ الزماني وغيره ممّا كان قبل أن يكون وما هو كائن ، ونزّهه عمّا لا يليق بكماله ، علم أنّ علمه من علم صاحب الشريعة الّذي علمه بالوحي الإلهي من حضرة واجب الوجود سبحانه تعلى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً. (١)
__________________
١ ـ اقتباس من الآية : ٤٣ من سورة الإسراء.