محجّة ، ولا أشمخ فخراً ، ولا أرفع ذكراً ، من الاذعان بالطاعة لنهيه وأمره ، ولا يعاد بالمتابعة لسرّه وجهره.
فيا من يحسده على ما آتاه الله من فضله ، ويدّعي رتبته ، وهو لا يعادل عند الله شسع نعله ، لقد طرت مستكبراً ، وتعاظمت صغيراً ، وأوثقت نفسك ، وأنكرت جنسك ، وجهلت قدرك ، وشبت درّك ، وبادرت خالقك بمعصيتك ، ولم يحسن يوماً تؤخذ فيه بناصيتك ، أتريد أن تستر الشمس بكفّك ، أو تنقص البحر بغرفك ، وتجار الجواد بأناتك ، أو تنال السماء ببنانك؟
ويك ارفق بنفسك ، ولاتفخر بغرسك ، فهذا الذي شرّفت بذكره مقالي ، ووجّهت إلى كعبة جوده آمالي ، ورجوته معادي في حشري ، ونوري في قبري ، وكنزي لفقري ، ووجهتي في عسري ويسري ، هو البحر الّذي لا ينزف ، والعارف الّذي لا يعرف ، والشمس الّتي لا تخفى ، والنور الّذي لا يطفأ ، المنزّه بكماله عن الأنداد ، الجامع في خصاله بين الأضداد ، يحيي بجوده الآمال ، ويميت بفتكه الأبطال ، وتصل بكفّه الاقصار ، وتقطع بسيفه الآجال.
إن ذكر ليل فهو راهب دجاه ، أو ذكر حرب فهو قطب رحاه ، أسد الله المحراب ، حليف المسجد والمحراب ، يجزّ بصارمه الأعناق ، ويدرّ بنائله الأرزاق ، نقمة الله على أعدائه ، ورحمته لأوليائه ، الشامخ بأنفه في الحرب ، والمتواضع من عظمته للربّ ، الناسك في خطوته ، والفاتك بسطوته ، قتّال الأبطال إذا الحروب وقعت ، وبدل الأبدال إذا الجنوب اضطجعت ، امتحن الله به خلقه ، وأبان بالأدلّة الواضحة صدقه ، وأكرمه بالشهادة التي فضّله بها على من سواه ، وأحبّ سبحانه لقاءه ، كما أحبّ صلوات الله عليه لقاءه ، لما تفرّد عن النظير من أبناء جنسه ، وتعالى عن التمثيل في طهارته وقدسه.