ويلحدون في آياته ، ويكذّبون بيّناته ، ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة (١) ، ويقصدون من سفه أحلامهم لتبديلهم بكلّ حجّة ، ولما روى صلوات الله عليه شدّة شكيمتهم ، وخبث عقيدتهم ، يحرّفون الكلم عن مواضعه ، ويعدلون بالحقّ عن مواقعه ، لا يجيبون صوته ، ولا يرهبون سوطه ، ولا يستجيبون لدعائه ، ولا يجعلون بندائه ، فبرم من صحبتهم ، وتظلّم من معصيتهم ، وشكاهم إلى الله في خطبه ونثره ، واستعدى عليهم الله في سرّه وجهره.
كقوله صلوات الله عليه :
اللّهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني ، وسمئتهم وسئموني ، فأبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شرّاً منّي.
اللّهمّ مِث قلوبهم (٢) كما يُماث الملح في الماء. (٣)
وكقوله صلوات الله عليه ـ من جملة كلامه ـ :
أيها القوم الشاهد أبدانهم (٤) ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلى بهم اُمراؤهم ، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه ، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ، لوددت ـ والله ـ أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم!
يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاثٍ واثنتين : صمّ ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمي ذوو أبصارٍ ، لا أحرار صدقٍ عند اللقاء ، ولا إخوان ثقةٍ
__________________
١ ـ إشارة إلى الآية : ٧ من سورة آل عمران.
٢ ـ أي أذبها.
٣ ـ نهج البلاغة : ٦٧ خطبة رقم ٢٥. وانظر البحار : ٣٤ / ١٩.
٤ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : أيها المشاهد أبدانهم.