عند البلاء! تربت أيديكم! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلّما جمعت من جانبٍ تفرّقت من آخر ، والله لكأنّي [ بكم ] (١) فيما إخالكم : [ أن ] (٢) لو حمس الوغى ، وحمي الضراب ، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها. وإنّي لعلى بيّنةٍ من ربّي ، ومنهاجٍ من نبيّي ، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً. (٣)
ومن كلام له صلوات الله عليه يخاطب به أصحابه :
يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال ، وعقول الحِجال (٤) ، وددت أنّي لم أركم ولم أعرفكم معرفةً ـ والله ـ جرّت ندماً ، وأعقيت سدماً (٥) ، قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قَيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً ، وجرّعتموني نُغب التِّهمام أنفاساً ، وأفسدتم (٦) عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان ؛ حتى [ لقد ] (٧) قالت قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم! وهل أحد منهم أشدّ لها مِراساً (٨) ، وأقدم فيها مَقاماً منّي؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنذا قدر ذرّفت على الستّين (٩)! ولكن لا
____________
١ و ٢ ـ من النهج : وإخال : أظنّ. وحمس : اشتدّ. والوغى : الحرب.
٣ ـ نهج البلاغة : ١٤٢ خطبة رقم ٩٧.
٤ ـ ربّات الحِجال : النساء.
٥ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : ذمّاً.
والسدم : الهم مع أسف أو غيظ.
٦ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : وجرّعتموني قعب البهتان ، وأفسدتم.
ونُغب : أي جُرَع. والتِّهمام : الهمّ. والمراد أنّ أنفاسه أمست همّاً يتجرّعه جرعة بعد جرعة.
٧ ـ من النهج.
٨ ـ أي عالجه وزاوله وعاناه.
٩ ـ أي زدت على الستين. وفي رواية المبرّد. نيّفت ، وهو بمعناه.