حتى يتبع بالأذى ذرّيّته ، وقصد بالأدا (١) عترته ، فكم علويّ أضحى منه ومن ولده في أضيق سجن وأسر ، وأسبغ حكم وقهر ، قد أكلت الجوامع لحم سواعده ويديه ، ووضعت الأصفاد من قدميه إلى حقويه ، وأثّرت الأغلال في عنقه وعضديه ، ونظرت الحتوف عن كثب إليه ، يستعذب الموت من أليم عذابهم ، ويستطب الفوت لوخيم عقابهم.
وكم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم ، وكم حسينيّ انتظم في سلك الأموات بسيوف وقائعهم ونقمهم ، سل فخّاً (٢) وما حلّ بآل الرسول في عراها ، والزوراء وما غيّب من ولد البتول في ثراها ، وخراسان ومن شرّفت به مرابع طوسها ، والعراق وما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها.
ترى مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم ، وتعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم ، وأنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم ، وسحائب الغفران تهمع من اكمال زياراتهم ، يغفر الله الذنوب بالهجرة إليها ، ويكشف الكروب بالعكوف بحضراتها ومبانيها.
كلّما تقادمت الأيّام تجدّد فجرهم ، وكلّما تعاقبت الأعوام تعالى ذكرهم ، ورثوا المجد بالأصالة ، لما تمّمت بجدّهم الرسالة ، وعلت كلمتهم في الآفاق ، لما اُقيم أبوهم وليّاً على الإطلاق ، شدّ الله بزكيّهم أزر ملّته ، واستشهد بشهيدهم على برهان ربوبيّته ، وزيّن بعابدهم أوراد عبادته ، وبيّن بباقرهم وصادقهم أسرار شيعته ، وأظهر بعالمهم وكاظمهم أنوار حكمته ، وجعل رضاه مقروناً برضاهم ، وعلمه مخزوناً في جوادهم ومرتضاهم ، وهداه في اتّباع سبيل
__________________
١ ـ كذا في الأصل.
٢ ـ فخّ : واد بمكّة ، قتل به الحسين بن علي بن الحسين يوم التروية سنة تسع وستّين ومائة ، وقتل جماعة من أهل بيته ... « مراصد الاطّلاع : ٣ / ١٠١٩ ».