يدور حيث ما دار ، وأنّه كتاب الله الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولكن الحقد القديم ، والنفاق الكامن ، والميل مع الدنيا وأهلها كيف مالت ، والشيطان المغويّ.
فلعنة الله عليهم كأنّهم لم يسمعوا قول الله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهََ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (١) وقوله سبحانه : ( أفَمَن يَهدِي إلى الحَقّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ أم مَن لاَ يَهدِّي إلّا أن يُهدَى فَمَا لكُم كَيفَ تَحكُمُونَ ) (٢) وقوله سبحانه : ( تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعلُهَا لِلَّذينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرضِ وَلَا فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ) (٣) بلى والله سمعوها ووعوها ـ كما قال أمير المؤمنين ـ ولكن حلت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها (٤) ، وعدلوا بالحقّ عن أهله ، ووضعوه في غير محلّه ، واتّبعوا كلّ ناعق ، واقتدوا بكلّ ناهق.
وتبّاً لدنيا يقدّم فيها الأشرار على الأخيار ، والأوغاد على الأبرار ، وسحقاً لاُمّة عدلت سيّد الخلق وأعلمهم وأفضلهم ، وأكملهم علماً وحلماً ، وطاعة لله ، وحياطة لرسول الله ، ونصراً للاسلام وأهله ، وجهاداً في الله ، وقرباً من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أوّل الناس إسلاماً ، وأقربهم من الله مقاماً ، لم يشرك بالله طرفة عين ، ولّاه الله أمر خلقه في كتابه ، وأقامه إماماً لبريّته في تنزيله وعلى لسان رسوله ، فقام بأمر الله صادعاً ، وبالحقّ ناطقاً.
كم غرّر نفسه في المهالك لإقامة دين الحقّ؟ وكم قذف بذاته في أضيق
__________________
١ ـ سورة التوبة : ١١٩.
٢ ـ سورة يونس : ٣٥.
٣ ـ سورة القصص : ٨٣.
٤ ـ نهج البلاغة : ٤٩ ـ ٥٠ خطبة رقم ٣. والزِبرِج : الزينة من وَشي أو جوهر.