في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، قرعت أسماعهم (١) رنّة آيات الذكر الحكيم ( إنَّ اللهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أنفُسَهُمْ وَأَموالَهُمْ بِأنََّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبيلِ اللهِ فَيَقتُلُونَ ويُقتَلُونَ وَعداً عَلَيهِ حَقّاً فِي التَّوراةِ وَالإنجِيلِ وَالقُرآنِ وَمَن أوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايَعتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوزُ العَظِيمُ ) (٢) فهاموا بلذيذ نعمتها طرباً ، وقضوا بامتثال أوامرها من السعادة الأبديّة إرباً ، لمّا رؤا انّ الجهاد في سبيل ربّهم من أفضل الطاعات ، وبذل الوسع في إعلاء كلمة خالقهم من أعظم القربات ، تلقّوا حدود الصفاح بوجوههم الشريفة ، وصبروا على ألم الجراح شوقاً إلى تلك المنازل المنيفة.
وكان أفضل من فاز بالمعلّى من سهامها ، وتلقّى بشريف طلعته مواقع نصالها وسهامها ، سبط سيّد المرسلين ، وقرّة عين إمام المتّقين ، صفوة المصطفين ، أبا عبد الله الحسين ، الّذي هُدِم ركن الايمان بوفاته ، وقُصِم حبل الاسلام بفواته ، واهتزّ العرش لمصيبته ، وبكت الأفلاك لرزيّته ، وأمطرت السماء دماً وتراباً ، وحيّرت من اُولي العرفان أفكاراً وألباباً.
يا لها من مصيبة لا ترقى عبرتها ، ولا تخبو (٣) زفرتها ، ولا نتسى واقعتها ، ولا توشى جراحتها ، تضرم نيران الأحزان في قلوب خالصي الايمان ، وتشيّد قواعد الأشجان في نفوس أرباب أهل العرفان ، فهي التي كست السماء شفقاً من دماء شهدائها ، وأذكت في القلوب حرقاً بشدّة بلائها ، لم تَحدُث في الخلق مصيبة مثلها منذ قامت السماوات والأرض ، ولم يغضب الجليل غضبها إلى يوم الحساب والعرض ، زفرت جهنّم حين حدوثها زفرة
__________________
١ ـ أي ضربت بشدّة الاعتماد.
٢ ـ سورة التوبة : ١١١.
٣ ـ أي ولا تسكن.