لولا أنّ الحقّ منعها إلى أجل مسمّى لأحرقت الأرض بزفرتها ، وشهقت شهقة لولا الأمر الّذي كتب الله لعباده لأهلتك الخلق بفضيع شهقتها ، شردت على خزّانها فخوطبت : قرّي فلأجعلنّك لقتلته سجناً مؤبّداً ، ولأكتبنّ على أغلالهم وأصفادهم دواماً مخلّداً ، ولأجعلنّ فراعنة الأنبياء وأعداء الدين تستعيذ من عذابهم ، ولاُُصيّرنّ الكفرة والفجرة من أهل سجّين يعجبوا من عقابهم ، يشرف عليهم إبليس فيلعنهم ، ويطلع عليهم عبدة الأوثان فتوبّخهم ، ولأجعلنّ وليّي وابن أوليائي ، وصفيّي ونجل أصفيائي ، صاحب هذه المصيبة العظمى ، والواقعة الكبرى ، المجاهد بنفسه وولده ، والموفي بعقده وعهده ، الّذي لم يجاهد جهاده نبيّ من أنبيائي ، ولا صبر صبره مخلص من اُمنائي ، سيد الشهداء في الدنيا والآخرة ، ولاُقيمنّ حججي على عبادي من ذرّيّته الطاهرة.
فيا إخواني ، أفي غفلة أنتم من هذا الشهر الّذي أظلّكم؟ أم في رقدة من هذا العشر الّذي نزل بكم؟ أتعلمون أيّ رحم فيه للرسول قطعت؟ وأيّ مصيبة على بني البتول وقعت؟ وأيّ سادة منهم على الصعيد صرعت؟ وأيّ قادة بكؤوس الحمام جرعت؟ وأيّ كبد لسيّد الأنبياء فريت؟ وأيّ مهجة منه بسهام الأعداء رميت؟
فيا له من شهر لا يحسن الجزع الا في أيّامه ولياليه ، وياله من عشر لا يليق الهلع الا في أعجازه وبواديه ، سقيت فيه بنو الرسول كؤوس الحتوف بعد الظماء ، واُسلبت أرواحهم بغروب (١) السيوف والظباء ، وصارت أجسادهم على الرمضاء بلا وطاء ، منعوا فيه من شرب المباح ، وصدروا من دم الجراح ،
__________________
١ ـ الغَربُ : الحدّة ، غَربُ السيف ، أي كانت تُدارَى حّدّتُه وتُتَّقى. « لسان العرب : ١ / ٦٤١ ـ غرب ـ ».