تعجل وطلب الخروج من منى في تمام يومين بعد يوم النحر واكتفى برمى الجمار فيهما ولم يمكث حتى يرمى الجمار في اليوم الثالث ، فلا إثم عليه بهذا التعجيل ، إذ المطلوب أن يبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من أيام التشريق ، ويرمى كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة ، عند كل جمرة سبع حصيات (والجمرة جمعها جمار وجمرات وهى مجتمع الحصى) ورميها من ذكريات المناسك المأثورة عن إبراهيم عليه السلام كذبح القرابين وعامة أعمال الحج.
ومن لم ينفر حتى غربت شمس اليوم الثاني فعليه أن يبيت حتى يرمى اليوم الثالث قبل الزوال أو بعده ، ثم ينفر ولا إثم عليه بترك الترخيص.
وهذا التخيير ونفى الإثم عن المستعجل والمتأخر ، إنما هو لمن اتقى الله وترك ما نهى عنه ، لأنه هو الحاج على الحقيقة ، فما الغرض من كل عبادة إلا التقوى كما قال : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ».
والوسيلة إلى ذلك ذكر الله بالقلب واللسان ومراقبته في جميع الأحوال حتى يكون عبدا له لا لأهوائه وشهواته.
(وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي واتقوا الله حين أدائكم مناسك الحج وفي جميع شئونكم واعلموا أنكم ستجمعون وتبعثون للجزاء على أعمالكم يوم القيامة ، والعاقبة حينئذ لمن اتقى كما قال تعالى : «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا».
ومن علم بأنه محاسب على أعماله مجازى عليها. كان ذلك باعثا له على العمل ، وداعيا له إلى ملازمة التقوى ، أما من كان على شك أو ظن فإنه يعمل تارة ويترك أخرى.
وقد كرر الأمر بالذكر وبين منزلة التقوى ليشعرنا بأن المهم في العبادة هو ذكر الله الذي يصلح النفس ويوجه القلب إلى عمل الخير ، ويبعدها عن الشرور والمعاصي ، فيكون فاعلها من المتقين.