ولا سيما إذا كان الكاتبون فيها ممن تثق بهم الدهماء ، ويتقبل الجمهور آراءهم بالتسليم والاطمئنان.
(وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها) أي إن مثل هؤلاء إذا أعرضوا عن مخاطبيهم وذهبوا لشأنهم ، فإن سعيهم يكون على ضد ما قالوا ، فهم يدّعون الصلاح والإصلاح ثم يسعون في الأرض بالفساد ، إذ لا همّ لهم إلا اللذات والحظوظ الدنيئة التي لأجلها يعادون أرباب الفضيلة ، ويكونون من ذوى اللدد والخصومة لهم ، لما بينهم من التناقض في السجايا والغرائز ، بل يعادون أمثالهم من المفسدين ، إذ من دأبهم الكيد للناس ومحاولة الإيقاع بهم.
وقوله في الأرض يفيد العموم أي إنهم في أي مكان يحلون فيه يفسدون.
(وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) أي إنه دائب على إفساده مسترسل فيه ولو أدى إلى إهلاك الحرث والنسل ، وهكذا شأن المفسدين يؤذون إرضاء لشهواتهم ولو خربت الدنيا بأسرها.
وفي ذلك عبرة للذين يقتلعون الزرع ويقتلون البهائم بالسم وغيره ، انتقاما ممن يكرهونهم ، فأين منهم هدى الإسلام وهدى القرآن.
ويرى بعضهم أن المراد بالحرث النساء كما في قوله : «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ» وبالنسل الأولاد ، فيكون المراد ـ إن المفسدين الذين يطمحون بأبصارهم إلى نساء الناس أو يسعون في إفساد نظام البيوت بما يلقونه من الفتن ويدأبون عليه من التفريق ـ لا تكاد تسلم بيوتهم من الخراب ، فهم يؤذون أنفسهم وأهليهم بضروب من الإيذاء قد يعميهم الغرور عنها ، أو عن كونها من سعيهم.
(وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) أي والله لا يرضى الفساد ولا يحبه ، فلا يحب المفسدين ، وفي الآية إيماء إلى أن تلك الصفات المحمودة في الظاهر لا تكون مرضية عند الله إلا إذا أصلح صاحبها عمله ، لأن الله لا ينظر إلى الصور والأقوال ، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال.