المرأة وإذنها ـ وسيأتى ذكر الطلاق البائن الذي لا تحل مراجعة المطلقة بعده إلا بعقد جديد برضا الزوجة أو الزواج بغيره.
ولما كانت إرادة الإصلاح بردّ المرأة إلى العصمة ، إنما تؤتى ثمرها إذا قام كل منهما بالحقوق التي ينبغي عليه أن يؤديها ، ذكر ذلك سبحانه بعبارة هى على إيجازها تعتبر دستورا في معاملة كل من الزوجين للآخر ـ وهو مساواة الرجل للمرأة في سائر الحقوق إلا أمرا واحدا فقال :
(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أي إن للرجل حقوقا وعليه واجبات يؤديها للمرأة ، وللمرأة مثل ذلك.
بيان هذا أن الحقوق والواجبات التي على كل منهما للآخر موكولة إلى اصطلاح الناس في معاملاتهم وما يجرى عليه العرف بينهم ، وتابعة لشرائعهم وآدابهم وعاداتهم ، فإذا طلب الرجل منها شيئا تذكر أنه يجب عليه شىء آخر بإزائه ، ومن ثم أثر عن ابن عباس أنه قال : إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لى لهذه الآية.
والمراد بالمماثلة أن الحقوق بينهما متبادلة متكافئة ، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله ، فهما متماثلان في الحقوق والأعمال ، كما أنهما متساويان في الشعور والإحساس والعقل ، فليس من العدل ولا من المصلحة أن يتحكم أحد الجنسين في الآخر ويستذله ، لأن الحياة المشتركة بينهما لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين الآخر والقيام بحقوقه.
وهذه الحقوق أجملها النبي صلى الله عليه وسلم فيما قضى به بين بنته وصهره ، فقضى على ابنته بخدمة البيت ، وعلى علىّ بما كان في خارجه من الأعمال.
وهذا ما تحكم به الفطرة في توزيع الأعمال بين الزوجين ، فعلى المرأة تدبير شئون المنزل والقيام بحوائج المعيشة ، وعلى الرجل السعى والكسب في خارجه ، وهذا لا يمنع من استعانة كل منهما بالخدم والأجراء حين الحاجة إلى ذلك مع القدرة عليه ، كما لا يمنع من مساعدة كل منهما للآخر في عمله حين الضرورة ، يرشد إلى ذلك