لأوليائها المنع منه إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أشنع منه ، كما لا يجوز إكراه المرأة على أن تتزوج بمن لا تحب ، إذ قد يجرّ هذا إلى أضرار ومفاسد ربما لا تحمد عقباها.
والخطاب هنا للأمة جميعها ، لأنها متكافلة في المصالح العامة ، ليعلم المسلمون أنه يجب على من علم منهم بوقوع المنكر من أولياء النساء أو غيرهم أن ينهوه عن ذلك حتى يفىء إلى أمر الله وأنهم إذا سكتوا عن المنكر ورضوا به يأثمون ، إذ كثيرا ما يرجّحون أهواءهم وشهواتهم على الحق والمصلحة ، ثم يقتدى بعضهم ببعض ، فيكثر الشر والمنكر فتهلك الأمة كما قال تعالى «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ».
وقد كان من عادات الجاهلية أن يتحكم الرجال في تزويج النساء ، إذ لم يكن يزوج المرأة إلا وليها ، وقد يزوجها بمن تكره ، ويمنعها من تحب لمحض الهوي.
أخرج البخاري وخلق كثير غيره عن معقل بن يسار قال : كان لى أخت فأتانى ابن عم لى فأنكحتها إياه ، فكانت عنده ما كانت ، ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت عدتها ، فهويها وهويته ، ثم خطبها مع الخطاب ، فقلت له : يا لكع (يا لئيم) أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها ، والله لا ترجع إليك أبدا ، وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فعلم الله حاجته إليها ، وحاجتها إلى بعلها فأنزل الآية ، قال : ففىّ نزلت فكفرت عن يمينى وأنكحتها إياه. وفي رواية فلما سمع معقل الآية قال : أرغم أنفى ، وأزوّج أختى ، وأطيع ربي.
(ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي ذلك الذي تقدم من الأحكام المقرونة بالحكم ، مع الترغيب والترهيب ، يوعظ به أهل الإيمان بالله واليوم الآخر إذ هم الذي يتقبلونه ، وتخشع له قلوبهم ، ويتحرّون العمل به. طاعة لأمر ربهم ، ورجاء لمثوبته عليه في الدارين.