الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) أي ألم ينته إلى علمك قصص هؤلاء الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى في عصر داود عليه السلام ، وكان بينهما زمان طويل.
(إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي قالوا لنبيهم شمويل ، أقم لنا أميرا نصدر عن رأيه في تدبير الحرب ، وتنتظم به كلمتنا ، وكان دأب بنى إسرائيل أن يقوم أمرهم بملك يجتمعون عليه ، يجاهد الأعداء ويجرى الأحكام ، ونبىّ يطيعه الملك ؛ ويقيم أمر دينهم ، ويأتيهم بالخير من ربهم.
(قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا) أي هل أتوقع منكم الجبن عن القتال إن كتب عليكم؟
(قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) أي أىّ سبب يدعونا إلى ترك القتال ، وقد عرض لنا ما يوجبه إيجابا قويا بإخراجنا من ديارنا وأوطاننا واغترابنا عن أهلنا وأولادنا؟
(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) أي فلما فرض عليهم القتال بعد سؤال النبي ذلك وبعث الملك ـ أعرضوا وتخلفوا عن الجهاد وضيعوا أمر الله بعد مشاهدة العدوّ وشوكته ، إلا قليلا منهم عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغرفة كما سيأتى بعد.
ذاك أن الأمم إذا قهرها العدو تهن قوّتها ويغلب عليها الجبن وتلبس ثوب الذل والمسكنة ، فإذا أراد الله إحياءها بعد موتها نفخ روح الشجاعة والإقدام في خيارها وهم الأقلون ، فيعملون ما لا يعمله الأكثرون.
وفي الآية من العبرة والفوائد الاجتماعية ـ أن الأمم حين الضعف قد تفكر فى الدفاع حين الحاجة إليه ، وتعزم على القيام به إذا توافرت الشرائط التي يتخيلونها كما قال :