وقد بين ما حرم من المآكل في الآية الكريمة «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ» فما عدا هذا فهو مباح بشرط أن يكون طيبا وهو ما لا يتعلق به حق الغير ، وبيانه أن المحرم قسمان :
(١) محرم لذاته لا يخل إلا للمضطر.
(٢) محرم لعارض ، وهو ما يؤخذ بغير وجه صحيح كما يأخذه الرؤساء من المرءوسين بلا مقابل ، أو يأخذه المرءوسون بجاه الرؤساء ، وكأخذ الربا والرّشوة والغصب والسرقة والغش ، فكل هذا خبيث غير طيب.
(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي ولا تتبعوا سيرته فى الإغواء ووسوسته في الأمر بالسوء والفحشاء ، فهو عدو لكم بين العداوة ، إذ هو منشأ الخواطر الرديئة ، والمحرّض على ارتكاب الجرائم والآثام قال تعالى : «شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً» فهذا نهى عن اتباع وحي الباطل والشر ، لأنه من إغواء الشيطان ، فإذا عرض للإنسان داعي البذل لمعاونة بائس فقير ، فهمّت نفسه بالعمل ، ثم جاش في صدره خاطر الاقتصاد والتوفير ، فليعلم أن هذا من وحي الشيطان. ولا ينخدع لما يسوّله له من إرجاء هذا العطاء ووضعه فى موضع أنفع ، أو بذله لفقير أحوج.
ثم بين كيفية عداوته وفنون شره وإفساده فقال :
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ) أي إنما يوسوس الشيطان ويتسلط عليكم كأنه آمر مطاع بأن تفعلوا ما يسوءكم في دنياكم وآخرتكم وأن تجترحوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
فالذين يتركون الأسباب الطبيعية التي قضت سنة الله بربط المسببات بها ، اعتمادا على أشخاص من الموتى أو الأحياء يظنون أن لهم نصيبا من السلطة الغيبية ، والتصرف