ومن لم يشهدوا الشهر كسكان البلاد القطبية ـ التي يكون فيها الليل نصف سنة فى القطب الشمالي ، بينما يكون نهارا في القطب الجنوبي والعكس بالعكس ـ فعليهم أن يقدروا مدة تساوى مدة شهر رمضان ، والتقدير على البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع كمكة والمدينة ، وقيل على أقرب بلاد معتدلة إليهم.
(وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أعيد ذكر رخصة الإفطار مرة أخرى ، لئلا يظن أن صوم هذا الشهر محتم لا تتناوله رخصة ، أو تتناوله ولكنها غير محمودة ، ولا سيما بعد تعظيم أمر الصوم فيه ، لما له من المناقب والمزايا التي سبق ذكرها ، حتى روى أن بعض الصحابة رضى الله عنهم مع علمهم بالرخصة في القرآن كانوا يتحامون الفطر في السفر ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم به في بعض الأسفار فلا يمتثلون حتى يفطر هو.
(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) أي يريد الله في هذه الرخصة في الصيام وفي كل ما شرعه لكم من الأحكام ، أن يجعل دينكم يسرا لا عسر فيه.
وفي هذا إيماء إلى أن الأفضل الصيام إذا لم يلحق الصائم مشقة أو عسر ، لانتفاء علة الرخصة حينئذ ، وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة ، منها حديث أنس : «يسّروا ولا تعسّروا ، وبشّروا ولا تنفّروا».
(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) أي رخص لكم في الإفطار في حالى المرض والسفر ، لأنه يريد بكم اليسر ، وأن تكملوا العدة ، فمن لم يكملها أداء لعذر المرض أو السفر أكملها قضاء بعده ، وبذا تحصّلون خيراته ، ولا يفوتكم شىء من بركاته.
(وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) إليه من الأحكام التي فيها سعادتكم في الدنيا والآخرة ، وذلك بذكر عظمته وحكمته في إصلاح حال عباده ، بتربيتهم بما يشاء من الأحكام ، ويتفضل عليهم عند ضعفهم بالرخص التي تليق بحالهم.
(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) له نعمه كلها ، فتعطوا كلا من العزيمة والرخصة حقها ، فيكمل إيمانكم ويرضى عنكم ربكم.