فبيّن أن صومنا امتاز برخصة لم تكن لمن قبلنا ، ثم بيّن بدء مدة الصوم ونهايته ، ثم ذكر حرمة قربان النساء مدة الاعتكاف في المساجد ، ثم ختمها ببيان أن الله يبين الأحكام للناس لأجل أن يتقوه ويخشوا عقابه.
روى أحمد وأبو داود والحاكم عن معاذ بن جبل : أن الناس كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له قيس بن صرمة (بكسر الصاد) صلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح مجهودا ، وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فأنزل الله : «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ» إلخ.
وهذا يدل على أنه حين فرض الصيام كان كل إنسان يذهب في فهمه مذهبا كما يؤديه إليه اجتهاده ويراه أحوط وأقرب للتقوى ، حتى نزلت هذه الآية.
الإيضاح
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) أي أحلّ لكم ليلة الصيام قربان نسائكم ، وقد علّمنا الله النزاهة في التعبير عن هذا الأمر حين الحاجة إلى الكلام فيه بعبارات مبهمة كقوله : «لامَسْتُمُ النِّساءَ ، أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ ، دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ».
ثم بيّن سبب هذا الحكم فقال :
(هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) أي رخص لكم في مباشرتهنّ ليلة الصيام لما بينكم وبينهن من مثل هذه المخالطة والمعاشرة التي تجعل من العسير عليكم أن تجتنبوهنّ وتجعل من الصعب الصبر عنهنّ.
(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي علم الله أنكم كنتم تخونون أنفسكم ، إذ تعتقدون شيئا ثم لا تلتزمون العمل به ، إذ قد ذهب بهم اجتهادهم إلى أنهم يحرمون على أنفسهم بعد النوم في الليل ما يحرم على الصائم في النهار ، لكنهم قد خانوا أنفسهم بحسب اعتقادهم فهم عاصون بما فعلوا.