المعنى الجملي
خرج المؤمنون مع النبي صلى الله عليه وسلم للنسك عام الحديبية ، فصدهم المشركون وقاتلوهم رميا بالسهام والحجارة في شهر ذى القعدة سنة ست ، ثم صالحوهم على أن يرجعوا إلى مكة في العام القابل ، ولما خرجوا في ذلك العام لعمرة القضاء كرهوا قتال المشركين وإن اعتدوا ونكثوا العهد في الشهر الحرام ، فبيّن الله لهم أن المحظور في الأشهر الحرم هو العدوان بالقتال لا المدافعة عن النفس ، وأن المشركين بإصرارهم على الفتنة وإيذائهم للمؤمنين فعلوا ما هو أشد قبحا من القتل بتأييدهم للشرك ومنعهم للحق.
الإيضاح
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) أي الشهر الحرام يقابل بذلك الشهر الحرام ، وهتك حرمته بهتك حرمته ، فلا تبالوا بالقتال فيه إذا اضطررتم للدفاع عن دينكم وإعلاء كلمته.
(وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) أي يجب مقاصة المشركين على انتهاك حرمة الشهر الحرام بمقابلتهم بالمثل ، ليكون شهر بشهر جزاء وفاقا ، فهم قد انتهكوا حرمة شهركم بالصدّ عن البيت الحرام وفيه تعرّض للقتال ، فافعلوا بهم مثله ، وادخلوا عليهم مكة عنوة وقهرا ، فإن منعوكم في هذه السنة عن قضاء العمرة وقاتلوكم فاقتلوهم.
ثم ذكر نتيجة لما سبق وأيد الحكم السابق بقوله :
(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أي إن الاعتداء المحظور ما كان ابتداء ، أما ما كان على سبيل القصاص فهو اعتداء مأذون فيه.
وبهذه الآية استدل الشافعي على وجوب قتل القاتل بمثل ما قتل به ، فيذبح إذا ذبح ويخنق إذا خنق ، ويغرق إذا أغرق وهكذا.
وفي الآية أيضا إيماء إلى أن قتال الأعداء كقتال المجرمين بلا هوادة ولا تقصير ،