العقول من المخترعات ، وتستنبطه الأفكار من نظريات وآراء فيستنير بها العارفون ، ويهتدى بهديها المفكرون ، فلا تبتئس أيها الرسول بما يقولون وما يفعلون.
ثم سلّى رسوله عما أصابه من سفه قومه وادعائهم جنونه ـ بأن هذا دأب الأمم المكذبة لرسلها من قبل ، فلقد أصابهم مثل ما أصابك من قومك ، فاستهزءوا بهم كما استهزأ قومك بك ، فنصرنا رسلنا وكبتنا أعداءهم ، وسيكون أمركم وأمرهم كذلك ، وإلى ذلك أشار بقوله :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ ، وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي إننا أرسلنا قبلك رسلا لأمم قد مضت ، وما أتى أمة رسول إلا كذبوه واستهزءوا به ، لما جرت به العادة من أن فعل الطاعات وترك اللذات ـ مستثقل على النفوس ـ إلى أنهم يدعونهم إلى ترك ما ألفوا من المعتقدات الخبيثة ، وترك عبادة الأوثان الباطلة ، وذلك مما يشق على النفوس ، إلى أن الرسول قد يكون فقيرا لا أعوان له ولا أنصار ، ولا مال ولا جاه ، فلا يتبعه الرؤساء وذوو البأس والقوة ، بل يعملون على مشاكسته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، إلى أن الله يخذلهم ويلقى دواعى الكفر فى قلوبهم بحسب السنن التي سنها لعباده كما يرشد إلى ذلك قوله :
(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ، لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي كذلك نلقى القرآن فى قلوب المجرمين مستهزأ به غير مقبول لديهم ، لأنه ليس فى نفوسهم استعداد لتلقى الحق ، ولا تضىء نفوسهم بمصابيح هدايته الربانية ، كما كانت حال الأمم الماضية حين ألقيت عليهم الكتب المنزّلة من الملأ الأعلى.
وقد جرت سنة الله فى الأولين ممن بعث إليهم الرسل أن يخذلهم ويدخل لكفر والاستهزاء فى قلوبهم ، ثم يهلكهم وتكون العاقبة للمتقين والنصر حليف رسله والمؤمنين ، فلك أسوة بالرسل قبلك مع أممهم المكذبة ، ولست بأوحدي فى ذلك.
والخلاصة ـ هكذا نفعل باللاحقين كما فعلنا بالسابقين ، ويستهزىء بك